د. فوزية البكر
بمراقبة مسلسل العاصوف الذي يعصف بنا بعد كل إفطار ندرك حجم التفاصيل المذهلة التي تسللت إلى حياتنا في السعودية تدريجيا دون أن نعي حجم خطرها. تفاصيل في كل بيت وفي كل مدرسة وفي كل حياة فردية ولم نع أننا كنا في (عاصوف) مخيف كان يهدد بقاءنا كدولة حتى جاء مخلصنا الشاب الأمير محمد بن سلمان ليصرخ في وجوههم وبشجاعة غير مسبوقة في مقابلته المشهورة مع الواشنطن بوست إبريل 2017:
(نحن لا نريد أن نُضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال الـ30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتي سببت التطرف والإرهاب، نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن، نحن نريد -كما يريد الشعب السعودي- الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا كأفراد وأسر، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979». واختتم حديثه قائلاً: «لقد ولى زمان تلك الحقبة).»..
من المهم جدًا أن تعي الأجيال الشابة التي لم تعاصر تلك الحقب المظلمة كيف تشكلت هذه الحركات المتطرفة التي يتحدث عنها أميرنا الشاب والتي تلبست لباس الدين لتخفي سعارها السياسي وكيف كان تأثيرها المدمر على مشاريع التنمية في المملكة التي كانت قد بدأت على قدم وساق بعد ارتفاع إيرادات النفط بعد العام 1973 وماذا كان وقودها الناري الذي حاولوا إشعاله في مساجدنا ومدارسنا وعقول أبنائنا بالتعاون مع أطراف خارجية أرادت بنا شرا في حين كنا في الداخل نعيش ونفهم الإسلام المتدين المسالم الذي عرفته هذه الأمة طوال تاريخها ولم نكن نريد غير أن نعيش خدامًا لبيوت الله وحراسًا لها وللمسلمين الحقيقيين أينما كانوا وأن نبني بلدًا متطورًا يحقق طموحات أبنائه الكبيرة وينشغل بنفسه عن غيره ويعيش بسلام وهدوء دون التدخل في شؤون جيرانه لكن أين كان يمكن لنا ذلك والمردة حولنا من كل صوب ونيران التعصب ومفاهيم تصدير الثورات تخلخل بنيان الدول المحيطة بنا.
أتساءل كيف عشنا فعلا مع كل هذه الأخطار المحدقة وكيف تمكنا من الصمود في ظل لحظات التاريخ الصعبة إلا لأن الله كان بعينه التي لا تنام يحمي هذه البلاد ويحمي أهلها كما يدعونه كل يوم إجلالا وإكراما.
اليوم وبمراقبة شريط ما حدث يجب أن نعمل بجد واجتهاد (كما نفعل اليوم والحمدلله) لنتأكد بأن لا شيء من تلك الحقبة قابل للرجوع وبأننا على طريق بناء دولة مسلمة مسالمة حضارية تبني المستقبل وتترك المراهقات السياسية للمحيطين.
نحن شعب غالبية سكانه من الشباب وهم مخزوننا الحقيقي للمستقبل وعلينا أن نوفر التعليم الجيد المتميز الذي يعنى بكل فرد كما هو ليكتشف ما يحتاجه ويحقق طموحاته كما علينا توفير الرعاية الصحية والحياة الجيدة الرغيدة (إن أمكن) مطعمة بالاتجاهات الإيجابية نحو النفس والعالم وهذه مهمات دقيقة وصعبة لإدارة أجيال (نشطة ومتوالدة) تخطت الثلاثين مليون نسمة وما نحتاجه هو فهم الماضي ودراسة مسبباته ومعالجتها كي لا تظهر لنا مرة أخرى فتعيقنا سنوات كما فعلت في الثمانينات ومن ثم نتوجه للمستقبل للننشغل ببناء مملكتنا الفتية وتحقيق أحلام أجيالنا الواعدة.
أثبتت أجيال السعودية المتعاقبة أنهم قادرون على صنع ما لم يكن في حسبان العالم وها هم السعوديون رجالاً ونساء في كل موقع حيوي وعلمي وتجاري وصناعي يديرون أضخم المشاريع ويتسابقون لوضع رؤيتهم وتعليمهم وجهودهم لبناء دولة سعودية تضاهي الأمم وهذا حلم خطر قد يهدد وجود وإمكانات بعض دول الجوار المعادية لكن ذلك يجب أن لا يعيقنا عن طموحاتنا التي شقت عباب السماء وسنصل بإذن الله.
أحلامنا وطموحاتنا كبيرة لكن التحديات المحيطة أكبر بكثير مما قد يحيطه عقل أو بشر، وأحد أهم العوامل التي ستبقي هذه السفينة مستمرة لخوض عباب الأمواج المتلاطمة من حولنا هو شعلة الوحدة الوطنية والإيمان والقناعة والإخلاص لله وللمليك وللوطن في مرحلة حساسة من تاريخ بناء هذه الأمة.
لا مجال للتردد ولا مجال اليوم لوجهات النظر الخاصة فلكل منا رؤاه ولكل منا طريقته لكن الوطن هو الأكثر أهمية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا وعلينا أن نفتح أعيننا وآذاننا لكل الأصوات ونمتلك حساسيات مرتفعة للتمييز بينها وطرد ما يمكن أن يضر بالمصلحة الوطنية العامة حتى نعبر بالسفينة بإذن الله إلى بر الأمان ولتحوطنا دعوة إبراهيم الخليل:
{رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.
حفظ الله هذا الوطن آمنًا مستقرًا.