عبدالسلام بن عبدالله العنزي
عودة إلى سنوات مضت وفي أثناء اختبارات القبول لدى وزارة الخارجية في المملكة، ورداً على سؤال عن «العلاقة بين الدبلوماسية والإعلام؟». وحسب فهمي في ذلك الوقت أجبت بأنهما وجهان لعملة واحدة. وعندما تقدم بي السن ولفت بي الدنيا في أكثر من محطة بين الشرق الآسيوي الساحر إلى جمال أوروبا وحضارتها، وأخيراً وليس آخراً بلد النشامى «الأردن الشقيق»، أدركت بعدها أن الإعلام والدبلوماسية ليستا وجهتين لعملة واحدة فقط وإنما هما توأمان ملتصقان.
فمع وجود العديد من الأزمات الإعلامية في وقتنا الحاضر، تولدت لديَّ العديد من التساؤلات حول هذه العلاقة، فقررت حينها البحث والقراءة حول هذا الموضوع لأجد إجابة تفسر لي ماهية هذه العقدة المتلازمة، وعن العلاقة بين «الدبلوماسية والإعلام». إلى أن وجدت أكثر الكتاب والخبراء في هذا المجال يدورون في فلك وزاوية واحدة لا يخرجون عنهما، وهي مفهوم «التأثير» الذي تقدمه وسائل الإعلام على الدبلوماسية، وإلى كيفية فهم هذا الارتباط الوثيق، ووردت في مخيلتي أسئلة أخرى أعمق من ذلك، كان من أهمها: كيف للدبلوماسي أن يصبح مؤثرًا في محيطه، وما هي دبلوماسية التأثير أصلاً؟ وما علاقتها بالإعلام؟ فالدبلوماسية المعتادة والتي تقوم بها السفارات، ومتعارف عليها دولياً تهدف في الأساس للتأثير على رأي الجمهور من خلال الترويج لصورة الدولة ومؤسساتها لدى الدول المضيفة دفاعًا عن قضاياها المهمة وسياستها الخارجية، وتسعى كذلك إلى حماية مصالحها بكل أشكالها، وخدمة رعاياها بالشكل المطلوب.
هذا هو الإطار العام للدبلوماسية العامة، هذا هو ما كتبه الباحثون والمختصون بالدبلوماسية، إلا أنك لن تجد فيها ما يشرح لك الوظيفة أو الدور غير التقليدي الذي يقوم به الدبلوماسي في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة، كيف له أن يصبح مؤثراً فيمن حوله، كيف له أن يكون عنصراً فاعلاً ومتفاعلاً بالبيئة المحيطه به، هنا تكمن دبلوماسية التأثير.
ولوسائل الإعلام دور كبير لتوجيه عملية التأثير بالشكل الصحيح والمناسب، فالتعامل المباشر والموزون مع كل وسائل الإعلام وبحيادية وشفافية ودون قيود أو تفريق يصنع منك شخصًا مؤثرًا.
فوسائل الإعلام هي من تنقل للجمهور الخارجي الصورة التي تود نقلها، ناهيك عن التفاعل المدروس والحذر من خلال أدوات التواصل الاجتماعي كـ(فيس بوك وتويتر وغيرهم) والذي يجعلك أكثر قرباً من الجميع وشخصاً مؤثراً.
فالعلاقة بين الدبلوماسية والإعلام علاقة متلازمة، فالدبلوماسي الفطن هو من يطفئ أي حريق قابل للاشتعال دون سكب الماء عليه. هو من يسهم برسم العلاقة بين بلدين من خلال فهمه للواقع وتعامله مع الناس عن قرب وخاصة من هم في دور صنع القرار.
ولك أن تعرف ما هي أهم صفات الدبلوماسي الفطن والمؤثر؟ لعل من أهمها قدرته على التعامل السريع مع وسائل الإعلام متحزماً بالفطنة الدبلوماسية، وأن يملك معرفة واسعة وفهم شامل لسياسة بلده، بداخله قائد يستطيع أن يصيغ رؤية، بارع في التواصل مع الآخرين لديه القدرة على إيجاد التفاعل السريع وبناء العلاقات والتحالفات مع مختلف الأطياف لتحقيق أهداف محددة، مبتكر ومبدع، ويمتاز بسهولة التكيف مهما تغيرت الظروف. الداهية ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا العظمي الأسبق قال إن «الدبلوماسية هي فن أن تقول للناس اذهبوا إلى الجحيم بطريقة تجعلهم يسألونك عن الاتجاهات».