د. جاسر الحربش
إذا طالت نعمة الشبع بدون كدح وتعب أرخت العضلات وضيقت الأنفاس وأنقصت في القدرة على كل أنواع المقاومة. ليس لذلك علاقة بالشجاعة الفردية، ولكن الكائن الحي ومن ضمنه البشري تخور قواه ويستسلم بيولوجياً عندما يصبح قصير النفس ورخو العضلات. قبل عامين في العاصمة النمساوية نصحت سيدة خليجية صديقاتها السعوديات بحث أبنائهن وبناتهن على التدريبات والمهارات الدفاعية العضلية، معللة ذلك أن ابنها الخليجي المراهق في الليلة السابقة تشاجر هو وصديق له ضد مراهق عربي لاجئ في النمسا يصغرهما في السن، وكانت النتيجة أن المراهق اللاجئ طرح الاثنين أرضاً وأدماهما ومزق ملابسهما. عندما فض الشرطي النمساوي العراك هز رأسه إعجاباً بالمراهق اللاجئ الذي تغلب على مراهقين خليجيين أكبر وأضخم.
سألت يوماً أحد زملائي وكان قد درس الطب في إيران أيام حكم الشاه عن مواصفات الشعب الإيراني الصحية فقال إنهم في أعمالهم أشداء لا يتعبون وليست عندهم السمنة الزائدة لا في الكبار ولا الصغار. وصفه هذا ذكرني بمواطنينا في السعودية قبل سنوات الطفرة المادية. أهمية الموضوع لا تتعلق فقط بقوة المقاومة والصلابة في الشجارات الفردية أو العسكرية ولكنها شديدة العلاقة كذلك بالتحمل والقدرة على التركيز في أماكن العمل الفكرية والجسدية. هناك في أماكن العمل تتجسد فعلاً مقولة العقل السليم في الجسم السليم. قد يتمتع عليل الجسم بموهبة فكرية نادرة لكن إحساسه السريع بالإجهاد أو الألم والضعف سوف ينعكس بالتأكيد على إنتاجه الفكري وقد يجعله في أغلب ساعات اليوم معتمداً على مساعدة الآخرين. عندما يجتمع التفوق العقلي مع الصلابة الجسدية تكتمل المعادلة الإنتاجية والمزاج المعتدل والثقة بالنفس.
لنأخذ مثالاً تطبيقياً بسيطاً من ميدان العمل، صاحب البقالة أو المؤسسة السعودي الجالس على الكرسي يراقب العاملين عنده ولكن لا يمكنه التحكم في المشتريات والمبيعات والصادر والوارد وكمية الفاقد من النقود والبضاعة ما لم يكن قادراً على الحركة بنشاط في المكان، والنشاط يتطلب التعود واستعمال العضلات وليس المراقبة عن بعد.
واحد من الأسباب المهمة التي تجعل الشباب السعودي يبتعد عن الأعمال ذات المردود المالي الجيد في أعمال الميكانيكا والسمكرة والكهرباء والنجارة، مفضلاً الراتب القليل تحت المكيف البارد، هو امتداد طول فترات الشبع والارتخاء مما أدى إلى ارتخاء عضلاته وتقاصر أنفاسه فانطبق عليه القول حسبك من غنى شبع وري.
كل معادلة تنموية وطنية أينما ومتى كانت يجب أن تضيف منذ البداية إلى برامجها الإنتاجية والتعليمية صناعة المواطن الصلب المقاوم القادر على استعمال عقله وجسده إلى أقصى حدود الكفاءة الممكنة. سمعت في أحد المجالس صاحب بقالة يقول: أعرف أن العمال يسرقونني لكن -الحمد لله- الخير واجد ولا جلد عندي لمتابعتهم أربعاً وعشرين ساعة. عقلية البقال هذه هي عقلية النعمة، إذا طالت أرخت العضلات وضيقت الأنفاس وأنقصت على القدرة من المقاومة، ومعها تطير العوائد المالية إلى أوطان العمالة المستقدمة ويبقى للمنهوب الكسول الصراخ والعويل حتى يفقد وعيه.