انتقل إلى جوار ربه صاحب الفضيلة الشيخ عبدالقادر بن شيبة الحمد بن يوسف بن شيبة الحمد الهلالي، عن عمر يناهز المائة، بعد سيرة عطرة في نشر العلم الشرعي من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة منذ تأسيسها، وحلقته الشهيرة في المسجد النبوي، إضافة إلى إمامته للمصلين في محراب النبوي خلال عامي 1406 - 1407هـ.
وصلى على الفقيد -رحمه الله- عصر أمس الثلاثاء بجامع الملك خالد في أم الحمام، وووري الثرى في مقبرة الشمال في مدينة الرياض.
وأمضى الشيخ قرابة ثمانين عاماً في نشر العلم؛ تنوّع بين التدريس، والوعظ والإرشاد، والتوجيه، وإلقاء المحاضرات، والدعوة إلى الله؛ فصنف أكثر من عشرين كتابًا، إضافة إلى قيامه بتحقيق بعض كتب السلف ونشرها، وتميزت كتبه بالتحقيق والتحرير العلمي مع الوضوح والإيجاز الذي ينتفع به القارئ المعاصر.
وكان الشيخ عبدالقادر -رحمه الله- ولد بمصر في العشرين من شهر جمادى الآخرة عام 1339هـ الموافق للثامن والعشرين من شهر فبراير عام 1921م، وينتمي إلى قبيلة بني هلال، التي انتقل بعضها من الجزيرة العربية في منتصف القرن الرابع الهجري.
عرف عنه تعلقه بالعلم وطلبه منذ صغر سنه حيث التحق بالكُتّاب في الخامسة من عمره؛ وتعلّم القراءة والكتابة وحَفِظ القرآن الكريم كاملاً وهو في سن مبكرة، ومن شدة نبوغه اجتاز المرحلة الثانوية بسنة واحدة فقط، وكان المعتاد اجتيازها في ثلاث سنوات.
التحق بأحد المعاهد الأزهرية ومن ثم كلية الشريعة في الأزهر، وكان أحد ثلاثة طلاب اجتازوا اختبار الشهادة العالمية القديمة من بين 300 طالب، عام 1374هـ، عمل مدرساً في بعض المدن والقرى المصرية لمدة 10 سنوات كما بدأ رحلته مع التأليف في تلك المرحلة المبكرة من حياته.
عُيّنَ مدرساً بمعهد بريدة العلمي عام 1376هـ، ودرس فيه لمدة ثلاث سنوات، ثم عُيّنَ في عام 1379هـ مدرّساً بكليّتيّ الشريعة واللغة العربية في مدينة الرياض، ودرّس التفسير وأصول الفقه، كما درّسَ «سُبُل السلام، شرح بلوغ المرام» في الحديث.
انتقل عام 1382هـ إلى المدينة المنورة، بطلبٍ من الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله-، حيث عمل أستاذاً في الجامعة الإسلامية بعد افتتاحها بعام، ونظراً لحداثة الجامعة وندرة الأساتذة فكان كلما أنشئت كلية جديدة بالجامعة يُكلّف بالتدريس فيها، إلى أن تم نقله لقسم الدراسات العليا بالجامعة حيث أشرف على عديد من طلبة الدراسات العليا وبقي يعمل بها إلى أن بلغ سن التقاعد في عام 1404هـ.
كان يلقي الدروس في حلقة علمية شهيرة في المسجد النبوي حول تفسير القرآن، وكان يقصدها طلاب العلم وزوار مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسر فيها القرآن كاملاً بطريقة شمولية تناسب تفاوت المستويات العلمية لطلابه بأسلوب مشوق حتى انتقل إلى مدينة الرياض عقب تقاعده.
وقد أمَّ الشيخُ المصلّين في محراب رسول الله لصلاة التهجّد بالمسجد النبوي في شهر رمضان عاميّ 1406هـ و1408هـ؛ كما انتُدِب إلى الهند وباكستان للتعاقد مع بعض المدرّسين لتدريس علم الحديث بالجامعة الإسلامية، وقدم عديدًا من البرامج التوعوية المباشرة عبر الإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى مشاركته في بعض برامج الإفتاء المباشر، كان عضوًا في لجنة إشرافية على المسجد النبوي الشريف، كما كان عضوًا في مجلس الجامعة الاسلامية، وشارك في أعمال التوعية الإسلامية بالحج لعدة سنوات، كما ألقى عديدًا من المحاضرات في مختلف مناطق المملكة.