محمد سليمان العنقري
منذ أن بدأت الحروب التجارية بين أمريكا وشركائها التجاريين الصين وأوروبا وكندا والمكسيك، فلماذا تحرك أمريكا كل هذه الجبهات في وقت واحد وما التداعيات والأهداف التي تبحث عن تحقيقها بنهاية المطاف. فالتداعيات بالتأكيد سلبية فيما يخص النزاعات التجارية من حيث التأثير على نمو الاقتصاد العالمي الذي يشهد تباطؤ نمو واضح وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن للحرب التجارية الأمريكية الصينية تداعيات خطيرة فهما أكبر اقتصادين في العالم ويعدان أهم محركي الطلب على السلع والتجارة الدولية عموماً، لكن من الواضح أن ما تبحث عنه أمريكا من هذا النزاع يتوق منفعته الثمن الذي ستدفعه من أي تراجع بنمو اقتصادها وتجارتها الخارجية، فهي تهدف للحفاظ على مركزها الأول كأكبر اقتصاد عالمي وتريد تحجيم الصين وتكبيلها أو فرملة انطلاقتها الواسعة دولياً التي ما زالت بحاجة لأمريكا ليس كسوق تصدر له، بل في استيراد كثير من المنتجات التي تدخل بصناعاتها التقنية كالرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعة الجوالات وكذلك انظمة التشغيل فأمريكا تخشى استقلال الصين اقتصادياً عنها سواء تقليص استثمارها بالدولار أو انتقالها لأن تمتلك أمنها التقني كاملاً ويكون لديها كل مدخلات الإنتاج والتشغيل لصناعاتها الإلكترونية.
فالأهداف الأمريكية من كل هذا التحرك في حربها التجارية تعكس حجم المخاوف التي تخشاها لو لم تدافع عن مركزها بقمة الاقتصاد العالمي، فدول كالصين والهند وكذلك منطقة اليورو تتسابق جميعها للصعود للقمة ولم يعد هناك مستحيل أمام تحقيق ذلك وأيضاً تقليص الاعتماد على أمريكا كسوق استهلاكي ضخم لمنتجاتهم أو التعامل بالدولار مستقبلاً بنفس المستوى الحالي وكذلك امتلاك التقنية والتوسع بحجم اقتصاد المعرفة الذي تهيمن عليه أمريكا فإذا نجحت هذه الدول بكل خططها لهذا الاستقلال عن أمريكا فإن فقدانها لمكانها بالقمة يصبح مسألة وقت ولن يكون بعيدًا فحجم استخدام الدولار كاحتياطي عالمي تقلص عن السابق وحتى هيمنة البنوك الأمريكية على التعاملات المالية عالمياً سيتقلص مع التوسع بتقنية البلوك شين وكذلك انتشار العملات الرقمية فكل ذلك بات يمثل تهديداً لموقع أمريكا في قيادة الاقتصاد العالمي.
الصراع العالمي على القمة وصل لمراحل متقدمة جداً وتسعى أمريكا لاستخدام فائض قوتها لتحجيم منافسيها بكل السبل والوسائل ولا تأبه بالتداعيات مهما كانت خطورتها فهي تشعر بخطر وجودي يحيط بها ولذلك لم تتردد بفتح كل هذه الجبهات تجارياً وحتى سياسياً مع الكثير من دول العالم لأهداف ما خفي منها أكبر مما هو ظاهر على السطح.