د. محمد بن يحيى الفال
كما هو ديدن السياسة السعودية الذي عُرفت به على الدوام من اغتنام كل فرصة تتاح لها من أجل توحيد الصفوف ونبذ كل الخلافات مهما كانت عصية وغير قادرة على الحل التي قد تنشأ بين الإخوة الأشقاء والأصدقاء، وعليه وعلى ضوء انعقاد القمة الإسلامية في دورتها الاعتيادية الرابعة عشرة، فلم تكن دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لعقد قمتين طارئتين خليجية وعربية سوى امتداد لنهج المملكة لاغتنام كل فرصة متاحة للتشاور والمُصارحة واللقاء مع الأشقاء، وتزداد أهمية هذه اللقاءات مع المخاطر غير المسبوقة التي تتعرض لها الدول العربية سواء على مستوي المنطقة أو الإقليم.
ولو نظر أي محلل سياسي أو بالأحرى أي شخص عادي لهذه القمم الثلاث لوجد وبدون عناء في البحث والتحليل بأن القاسم المشترك الذي سيكون على رأس أجندة أعمال هذه القمم هو الدور الإيراني لحكام طهران في نشر الحروب والصراعات الدموية والخراب والدمار وإشاعة الفوضى والكراهية والتطرف أينما وجدوا فرصة للقيام بذلك. على امتداد رقعة العالم العربي والإسلامي.
فعلى مستوى العالم الإسلامي بجناحيه العربي والدول ذات الأغلبية المسلمة فمنذ الثورة الإسلامية المزعومة خصصت حكومات الملالي المتعاقبة على حكم إيران مئات المليارات من الدولارات لنشر الفكر الشيعي الاثني عشري في كل بقعة من العالم الإسلامي ولم تسلم من ذلك حتى الجاليات الإسلامية في خارج العالم الإسلامي. ولم تكتف حكومات الملالي بنشر الفكر فقط وهو في الحقيقة لم يكن سوى الهدف الظاهر للعيان، بيد أن الهدف الباطن والمحوري لم يكن سوى إحداث اختراق في الامن والسلم الاجتماعي للمجتمعات المخترقة بهدف نشر الفوضى والقتل والخراب والدمار وكل ذلك من أجل حلم إقامة إمبراطورية فارس من جديد وجعل العالم الإسلامي يعيش حالة من الفوضى ما إن تستقر أحواله في منطقة حتى تنهض فوضى أخرى في منطقة أخرى، ورأى الأشقاء في لبنان وعلى أرض الواقع بوادر الكابوس الإيراني الذي مازال يجثم على أنفاس اللبنانيين والمتمثل فيما يطلق عليه حزب الله الذى أضحى دولة داخل دولة كانت نتيجته معاناة مستمرة لا تنقطع للبنان أمنية واقتصادية وسياسية، وفي فلسطين زرعت الفرقة والتشرذم بين الأشقاء الفلسطينيين في وقت هم فيه في حاجة ماسة للتوحد للحصول على حقوقهم المشروعة وفي سعيها نحو تنفيذ مخططها التوسعي ركزت جهودها وبتمويل ضخم لنشر التشيع في أكبر بلدين مسلمين هما نيجيريا في القارة الافريقية وإندونيسيا على مستوى القارة الآسيوية، وكانت نتيجة هذا المخطط نشوب صراعات دامية بين أبناء الشعب الواحد. وفي الدول التي ذات تواجد شيعي واضح سواء كأكثرية أو أقلية، فقد بنيت استراتيجية الملالى فيها على تدخل مباشر وسافر في شئونها الداخلية وذلك من خلال دعم فصائل أو أحزاب وضعت نفسها تحت امرة ملالي طهران بمنطق نفعي أو أيديولوجي أوكليهما معا في غالب الأحوال، وقد نجحت بتفعيل هذه الاستراتيجية بنجاح واضح في العراق الشقيق وتنفيذاً لوصية الخميني في تخريب العراق عقاباً له للحرب التي خاضها ضد إيران في الثمانينيات من القرن المنصرم التي وصف الخميني فيها موافقته على إنهائها بأنه كمن يتجرع السم. ولم يكن العراق الشقيق وحده هدفا لمشروع الخراب الإيراني للعالم الإسلامي والمتدثر بعباءة التشيع، فالعالم الإسلامي من موريتانيا غربا وحتى اندونيسيا شرقا كان هدفا لمشروع الملالى التخريبي لكل بقاعه. ولعل المثل الواضح والناصع والعملي بين الفرق بين من يُخرب وبين من يسعى في البناء وإعمارالأرض نراه واضحا جلياً في العراق الشقيق الذي اكتوى أهله بجحيم الطائفية المُسيرة من ملالي إيران والتي لم يعرف لها العراق مثيلا سواء في تاريخه القديم أوالحديث، وما أن انعتق منها وبجهود بعض سياسييه المخلصين وبتوجيه بوصلتهم نحو محيطهم العربي بدعم معنوي ومادي من قيادة وحكومة المملكة حتى رأينا ورأى العالم معنا كيف أن العراق الشقيق بدأ بالتعافي من جروحه وأسقامه التي طال أمدها بسبب رغبات الحقد المسمومة لملالي طهران التي لا تعرف نهاية لها، بل تزداد حقداً وشراً مستطيرا مع مرور الوقت. ولم يكن العراق الشقيق وحده مثالا يتضح فيه الفرق الجلي بين مشروع البناء الذي تقوده المملكة وبين مشروع التخريب الذي ترفع رايته قيادات الملالى في طهران، فهذا هو اليمن الشقيق الذي لم يعرف معنى الطائفية في كل تاريخه يعيش تحت سيطرة عصابة انقلابية موغلة في الجريمة والفكر الإرهابي بدعم كامل من عرابيها في طهران التي أظهرت الحقائق والواقع على الأرض وكذلك سجلات الأمم المتحدة بأنه تم تزويدها بكل أنواع الأسلحة المدمرة بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيرة، ومنذ سنوات خلت من أجل إشاعة الفوضى في ربوع اليمن الشقيق وتهديد جيرانه بهذه الأسلحة مستهدفة المدنيين والمنشآت الاقتصادية. مشروع ملالي طهران لتخريب اليمن وتهديد جيرانه لا يحتاج لجهد كبير في تكوين صورته وبأن هناك أمرا دبر بليل ومنذ زمن سابق من قبل ملالي طهران لضرب خاصرة الأمن العربي المتمثل في اليمن وبتنفيذ من أذنابهم الحوثيين، ونرى ذلك في رفضهم لكل السبل والخيارات السلمية لحل الأزمة في اليمن بدءا من المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني اليمني وانتهاء بتفاهمات ستوكهولم مروراً بمحادثات جنيف ولقاءات الكويت التي استمرت لثلاثة أشهر سعت فيها دبلوماسية الكويت الشقيقة بكل السبل لإيجاد حل سلمي للنزاع في اليمن لتواجه بتعنت من قبل الحوثيين كان متوقعا من قبل عصابة مسيرة لا تعرف معنى التفاوض السلمي الهادف لحقن دماء اليمنيين، اليمنيون الذين سعت المملكة وقيادتها ومنذ الوهلة الاولى من عمليتي الحزم وإعادة الأمل لتجنيبهم ويلات الحرب لكونها متيقنة تماما بأن عصابة الحوثي وكما هو شأن كل العصابات لن تكون معاناة المدنيين لا في أعلى أو أسفل سقف اهتماماتهم، فجاءت خطوة المملكة وغير المسبوقة في النزاعات المسلحة بإطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال النسانية وذلك تزامناً مع انطلاق العمليات العسكرية لتحرير اليمن من عصابة الشر التي خربت بلاد اليمن وشردت عباده متحدية الشرعية الدولية وكافة قراراتها لإنهاء الصراع في اليمن. ومع قول ذلك وفيما يخص قرارات الشرعية الدولية لإنهاء الصراع في اليمن فإن تقاعس المجتمع الدولي في مواجهة الطرف المؤجج للحرب في اليمن والمتمثل في حكومة ملالي طهران هو أما آن له أن ينتهي ولعل قمم مكة المكرمة هو فرصة سانحة لإرسال رسالة واضحة للمجتمع الدولي مفادها بأن العبث والحرب بالوكالة التي تقودها وتشعلها إيران في اليمن آن لها أن تتوقف وذلك لسببين رئيسين هما زيادة معاناة المدنيين من آثار الحرب خصوصا مع اتضاح حقيقة أن عصابة الحوثي تخبئ صواريخها وطائراتها المسيرة في أماكن تجمع المدنيين مما يجعلها هدفا مشروعا لغارات التحالف العربي، السبب الآخر هو بأن استهداف المنشآت الاقتصادية كما حدث من تفجيرات لناقلات النفط في بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي وتفجير محدود لمنشأة شركة أرامكو هو تصعيد خطير للغاية لا يهدد اقتصاد دول التحالف العربي فقط بل إمدادات الطاقة العالمية الذي يضع الحرب في اليمن نحو أفق بالغ الخطورة تستطيع دول التحالف العربي تجاوزه والتعامل معه بكل كفاءة وهو الامر الذي تضعه كخيار أخير حقنا لدماء الأبرياء من مدنيين وهو الامر الذي حان على المجتمع الدولي التعامل معه بجدية عوضاً عن النواح على معاناة المدنيين التي نسمعها بين الفينة والأخرى من المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان.
تنعقد قمم أم القرى الثلاث والمنطقة على صفيح ساخن لا يؤمل منه أن تعود فيه قيادة إيران الملالى إلى رشدها مع وضوح بأن أحلامها في التوسع ليست إلا مجرد أضغاث أحلام بل كوابيس اكتوت بها شعوب كل الأمم التي وجدت فيها قيادة الملالى موطئ قدم، ولم يستثن هذا الكابوس الشعوب الإيرانية التي انتفضت عدة مرات وتم قمعها بضراوة، انتفضت لتقول للملالي كفي عن هذا العبث بمقدرات وثروات الشعوب الإيرانية التي بُددت في مغامرات لم تكن نتيجتها سوى معاناة كل من اكتوى بها وعلى رأسهم الشعوب الإيرانية نفسها التي تعيش الفقر والبؤس والغلاء والمرارة المرسومة على وجوه الايرانيين من حكم جائر ابتلوا به لعقود.
القمم الثلاث في أم القرى مكة المكرمة يميزها بأنها تعقد في وقت زادت وتنامت فيه المخاطر التي تواجه العالم الإسلامي والعربي ومنطقة الخليج العربي وبشكل غير مسبوق التي لا يختلف شخصان بأن لحكومة الملالي في طهران بطريقة أو أخرى دور في إشعالها والوقوف من ورائها، ومع قول ذلك فإن خاصية المكان الذي تعقد فيه القمم الثلاث المرتقبة وهو مكة المكرمة وما يمثله مكان الانعقاد من رمزية مقدسة لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها باختلاف مذاهبهم ومشاربهم وكون عقدها سيكون في الأيام الأخيرة من شهر رمضان وما يمثله الشهر الفضيل كذلك لكافة المسلمين من رمزية لقيم التسامح والمحبة التي دعا ونادى لها الإسلام بين الجميع وبدون استثناء. يأمل الجميع وخلال القمم الثلاث وإن كان امراً مستبعداً بناء على تجارب سلبية ممتدة لأكثر من أربعة عقود بأن تعود إيران إلى رشدها وتتخلى عن غيها الذي طال أمده وعن مغامراتها وأطماعها التوسعية في العالم العربي والإسلامي وتركز جهودها وخيراتها في تنمية شعوبها ولتبدأ صفحة جديدة في تعاملاته تصب نتيجته في رخاء شعوب المنطقة جمعاء.