د.فوزية أبو خالد
(1)
تتصدر اليوم المنصة الإلكترونية للإعلام الجديد صحيفة فتية ممشوقة لا تجيد إلا الكتابة على المفاتيح ولا تريد من كل ما تعلمته عبر الإعلام التقليدي إلا نسيان الخوف من الرقيب مقابل الإخلاص في مراقبة الله والخوف من الضمير في كل كلمة تكتب. بعض كتابها مثلها جدد للتو يضعون أيديهم في أحماض الحبر، فهي أيدٍ لم تكتو بالحوارق، فلا تخال الحبل ثعبانًا وبعض كتابها ومحرريرها وعدد عريض من الشابات والشباب أصحاب باع في الكر والفر عبر حياض الحبر، فهم خبراء في المد والجزر وفي استحلاب السحاب. وهي بقدر ما تبدو لمن أقدموا على تأسيس موقعها الإلكتروني وللكثير من متابعيها متمكنة وقادمة بقوة بإذن الله بقدر ما تحمل كل حسنات وتوجسات التجارب الجديدة مما يحضها على التحدي الذي هو سر من أسرار الإنجاز.
وهنا لا يسعني إلا أن أشد على أيدي الشباب على هذه التجربة المثيرة والمغرية ليس فقط لأنها تنضم لتجارب قليلة رائدة على مستوى الإصدار الصحفي المستقل إلكترونيًا بالمملكة العربية السعودية، ولكن أيضًا لأنها على ما أعلم من أوائل إن لم تكن أول صحيفة رأي إلكترونية لا تقدم مادة صحفية غير مادة الرأي والرأي التحليلي ما استطاعوا لذلك سبيلاً.
(2)
مع اعتزازي الجم بالتزامي الكتابة في جريدة الجزيرة إلا أنه تأتيني بين حين وآخر عروض بالكتابة هنا، أو هناك من صحف الداخل أو الخارج فأجد في نفسي عزوفًا عن قبولها على الرغم من معاناتي ككل كتاب الصحف المحلية من وطأة الرقابة التي تبدو وكأنها متلازمة صحفنا، وعلى الرغم أيضًا عما عرفت به سابقًا من قبولي بالنشر في صحف عربية بجانب صحفنا المحلية بحكم أن ذلك يعطي الكاتب أفقا أبعد ويعطي للكتابة عمقًا عربيًا ويتيح أطيافًا متعددة من القراء. فكتبت في مجلة العربي قديمًا وفي اليوم السابع وفي كلمات البحرينية وبجريدة الوطن الكويتية، وجريدة القدس. كما كنت من أوائل الكاتبات والكتاب السعوديين الذين كتبوا في صفحة الرأي بجريدة الحياة يوم لم يكن للكتاب السعوديين مكان فيها إلا بشق الأنفس وباستثناءات قليلة. وإذا استثنينا أن تعلقي بجريدة الجزيرة يعود لمهنية الماسترو رئيس التحرير وطاقم الزملاء الأعزاء رغم ما نمر به من شد وجذب، فإن هذا يقودني لبعض أسئلة هذا المقال المتمثل بعضها في التالي:
هل هناك اختيار بين أن يكتب الكاتب بصوته في صحف غير محلية وبين أن يكتب ببعض من صوته في صحف بلاده؟
وهل هناك سبب منطقي يجعل الصحف السعودية أو الممولة سعوديًا الصادرة بالخارج أو بنسختين للداخل والخارج أوسع صدرًا على كتابة الرأي من الصحف المحلية، نتيجة طبعًا لتسامح الرقيب النسبي مع الأولى وتشدده مع الثانية.
وهل هناك كاتب يختار الكتابة في صحف غير صحف وطنه إذا كانت الأولوية فيما يكتب وفيما يطرح من موضوعات هي للقضايا الوطنية المحلية، حيث يصبح من متلازمة ذلك أن يكون القارئ الأول المنشود هو مواطن بلده شخصيًا من القمة إلى القاع؟
وأخيرًا لا بد من سؤال اللحظة التكنولوجية الراهنة وهو سؤال، هل من جدوى اليوم للرقابة على الصحافة وأخبار العالم وأحداثه الكبيرة والصغيرة بل وردات الفعل عليها تنقل في نفس لحظة وقوعها وتعمم على منصات العالم الإلكترونية من أقصاه لأقصاه.
ليست مثل هذه الأسئلة في وارد جميع الكُتاب على أية حال ولكنه نوع من تعذيب الذات الذي لا بد أن يراود كل كاتب من آن لآخر.