عبد الله باخشوين
** ليس لأحد يحب الفن أن يتجاوز أو يتجاهل.. غناء (السعودية) القديم.. الذي نطلق عليه مسمى (الغناء الشعبي).. وكان معروفاً ومنتشراً من خلال (الاسطوانات) وله رواد ونجوم ومشاهير.. في (نجد) و(الحجاز) و(الشرقية) يتم تداول تسجيلاتهم (الاسطوانية) بطريقة واسعة تصل إلى أي مكان فيه (غرام فون).. وناس تسمع.
في البدء كانت (التسجيلات) تصل إلينا (في الحجاز) عن طريق (عدن) وكان يصل معها (الشيشة والجراك).. هذا إضافة إلى وجود البحرين ودول الخليج كمصدر لـ(التسويق) في المملكة.. أما تسجيل (الاسطوانات) فغالبًا ما كان يتم في لبنان.
وتعتبر فترة ازدهار (الغناء الشعبي) منذ مطلع الستينات ويمكن أن نؤرخ له.. بظهور الاسطوانات وانتشارها في أسواقنا.. ومن ثم بانحسارها بعد اجتياح تقنيات (تسجيل) جديدة.. وطبعا ظهور التلفزيون واقتصار نشر (الغناء) حتى في الإذاعة.. من خلال (مقاييس) جديدة للأصوات والتقنية الفنية و(الكلام المغنى) للارتقاء بالذوق العام وفق السياسة المعتمدة في الإذاعات العربية.
لا أدري كم كانت أعمارنا حين ذاك.. لكن (سوق الاسطوانات) كان في قمة ازدهاره.. عندما جاء صديقي وأستاذي إبراهيم عبدالعزيز الفوزان.. وأخبرني أننا يمكن أن نكتب أغاني ونبيعها لصاحب محل تسجيل وبيع الاسطوانات الوحيدة بالطائف وهو (تابع) لتسجيلات (صوت الشرق) بجدة التي تبنت أسماء مشهورة مثل طلال مداح وفوزي محسون.. (لم يكن محمد عبده قد ظهر حينها).. لكنها تسجل لكل (أهل) الغناء الشعبي.
وكتبنا (أغاني).. وكان كل ما علينا.. هو تقديمها لصاحب (التسجيلات).. ويقرأ من (الدفتر) ما كتبناه.. ويقرر.. ويقدر.. ونطلع في نهاية المطاف بـ(عشرة) أو ربما (عشرين) ريالاً كثمن لما قدر صلاحيتة للغناء ووقع عليه اختياره.. لكننا لا ندري يعطيه لمن ولا من يغنيه.. لأننا لا نملك أجهزة الاستماع المناسبة لنعرف إذا كان قد تم غناء شيء منه فأستاذي إبراهيم ابن أحد المشايخ الكبار -رحمه الله-).. وربما لا يوجد في بيتهم ولا حتى (راديو).. ولا يوجد لدينا سوى (راديو) تحتكره أمي نهارًا لسماع المسلسلات الإذاعية.. ونسهر عليه ليلا لسماع إذاعتي (الشرق الأوسط.. وصوت العرب).
وحتى ينتهي أمر (أغانينا) التي بعناها لم أسمع أنا أو إبراهيم أيًّا مما كتبناه مغنّى.. ولا أظن أننا سوف نتذكر كلمة واحدة منه.. كنا نتطور سريعاً.. مع تطور (الأستاذ) إبراهيم.. الذي دخل مرحلة الثانوية (دار التوحيد) واتجه لقراءة كتب (الفلسفة.. وعلم النفس).. وأخذ على عاتقه مهمة (شرح المصطلحات). لفهم بعض ما أخذت أقرأه من تلك الكتب.
وبالعودة لـ(الغناء الشعبي)
خسرنا ألواناً شتى من الأنغام والإيقاعات الأصيلة في مصادرها وجذورها.. وانقطع الحس الشعبي بما فيه من عفوية.. بل وحتى سوقية وإسفاف في بعض الأحيان.. نجدها حتى في بعض الغناء الخليجي وبأصوات رواد مثل عبدالله فضالة ومحمد زويد وغيرهم.. من خلال الأغاني الشهيرة عن (البيض والسود).. ومن كل ألوان الغناء الشعبى أبقت وسائل الإعلام السعودية الرسمية على اللون الذي كان يغنيه الفنان محمد علي سندي الذي من أشهرها على الإطلاق أغنية:
- مس ورد الخد في وادي قبا
هب الصبا والسمر قد طاب
في حبك يافتين خاف الله
في بابك مستقيم سال دمعي