د.عبد الرحمن الحبيب
«كان الخبل ما يعرفه إلا أهله» هذا مثل آخذ في الانتشار، في إشارة إلى أشخاص أصبح «خبالهم» معروفاً بين الناس بسبب نوعية مشاركتهم في وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، بينما بالسابق لم يكن «الخبل» متواصلاً إلا مع أهله والقريبين منه، وكان خباله مستوراً عليه بينهم، والآخرون كانوا يظنونه من أعقل العقلاء. هذا الخبال قد يقع فيه أي فرد منا، فالوسائل الجديدة غيرت طبيعة التواصل الاجتماعي..
كانت المدة بين الكتابة والنشر فيما سبق تأخذ متسعاً من الوقت للتفكير بالتعديل أو التراجع، أما الآن في وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة فأنت تكتب أو تصور مباشرة للجمهور دون فرصة للتروي أو وسيط ناشر يراجع قبل النشر؛ كل ما هنالك هو ضغطة زر من أصبعك.. مما أوقع الكثير في مزالق كانوا بغنى عنها، ووقعوا في أخطاء ليست من طبائعهم المعروفة عنهم..
فذاك يستعجل بإرسال أشياء لا يصدقها عاقل وبلا مصدر في السياسة والاجتماع والاقتصاد.. وهذا ينصحك في أمور هو لا يفقه بها شيئاً في الدواء والغذاء والطقس مستنداً على دجالين أو عابثين أو جهلة يظنون أنهم يفقهون.. وآخر يستمتع بإرسال المقاطع المأساوية من حوادث مميتة أو كوارث مرعبة..
الحوارات فيما مضى كانت تتم وجهاً لوجها بحيث ترى من تحاور في أوقات مناسبة للحوار، ومن ثم تراعي مشاعره وتضبط انفعالاتك، أما الحوار بالوسائط الجديدة فهي تتم بأي وقت وبأي مزاج نفسي دون رؤية الطرف الآخر، فلا تدري عما لديه من حساسية؛ فقد تضايقه دون قصد حتى لو كان عزيزاً عليك.
لذا صارت إرشادات اللباقة في الإنترنت مهمة، وصدرت نشرات وكتب لذلك. في البداية ظهر مصطلح جديد وهو «نتيكيت» المنسوب إلى Chuq von Rosbach من شركة أبل، وهو مركب على كلمة اتيكيت (etiquette) «آداب التعامل» بإضافة سابقة حرف N لتعني الآداب والسلوك المناسبة عبر الإنترنت كقواعد غير رسمية مهذبة. ومن أهم ما صدر بهذا المجال كتاب Netiquette لفرجينيا شيا، كما وضعت الباحثة من جامعة هارفرد إلكسندرا سامويل 25 قاعدة ذوقية. هذه الإرشادات هي على سبيل الاقتراح وقابلة للتغير مع التحولات السريعة في هذا العالم الجديد.. سنعرض لأهمها.
هناك آداب ذوقية عامة مثل تجنب الملاحظات التمييزية أو التشهيرية أو المهينة، والتهذيب مع الآخرين واحترام وجهات نظرهم، لن نتعرض لها فهي معروفة للجميع والمشكلة ليس في عدم معرفتها بل في احتمال نسيانها أمام الشاشة الإلكترونية عندما تكون وحدك. ومن هنا، جاءت أول قاعدة طرحتها شيا: «تذكر أن وراء كل شاشة إنسان له أفكار ومشاعر مستقلة. من السهل إساءة فهم أو الوقاحة مع الآخرين عندما لا تتفاعل معهم شخصياً. قبل النقر فوق إرسال، اسأل نفسك: هل كنت ستقول ذلك مباشرة لوجه الشخص؟»
لذا، تتمثل القاعدة الثانية بالالتزام بنفس معايير السلوك كما في «الحياة الحقيقية» لأن الفضاء الإلكتروني قد ينسينا ذلك. ثم ثالثاً، اعلم أين أنت في الفضاء الإلكتروني، فالبيئات المختلفة تتطلب سلوكاً مختلفاً. الطريقة التي نتفاعل بها مع أصدقائنا، قد لا تكون مقبولة في حالة المدرسة أو العمل أو مع العموم.. والطريقة في فيسبوك غيرها في تويتر أو واتساب..
من أكبر الإشكاليات التي أظهرتها المسوحات البحثية هي الغضب أثناء المناقشات الحادة.. فلا ترسل أبداً عندما تكون غاضباً.. هذا ما يتفق عليه كل المختصين.. انتظر، فستشعر بالاختلاف إذا منحت نفسك فرصة للتروي. ذلك أكثر ما ينطبق على الرسائل المثيرة للجدل.. توصي الخبيرة ليبرت بانتظار ساعة (أو حتى يوم) قبل إرسال رسالة مثيرة إلى العموم.
كن متسامحاً مع الآخرين، ولا تكن فضَّاً عند تصحيحك لأخطائهم، علق دائماً بلطف واحترام. تقول شيا: «إذا قررت إبلاغ شخص عن خطأ، فأشر إليه بأدب، ويفضل أن يكون ذلك عبر رسالة خاصة وليس بشكل عام. أعط الناس الفائدة من الشك.. لا تكن متغطرساً أو معتداً بنفسك حيال ذلك». بالمقابل تجاهل الوقحين أو المتصيدين لأخطائك البسيطة، لكن حاول ألا تقع بها، فالآخرون سيحكمون عليك من خلال رسائلك، لذا تقول القاعدة «اظهر بمظهر لائق على الإنترنت وانتبه إلى اختيار كلماتك وسلامة كتابتك النحوية والإملائية بالإضافة إلى المحتوى العام والصدق في كتابتك».
عندما ترسل للآخرين، لا تبالغ بإرسال إنتاجك الشخصي، تقول شيا: «كن كريماً ومفيداً، شارك معرفتك مع الآخرين فيما أنت خبير أو جيد فيه، لكن لا تكرر إرسال إنتاجك أكثر من مرة. لا تكن نرجسياً، واستخدم قاعدة 1: 10 أي مقابل كل إرسال من إنتاجك أو ما يتعلق بك يقابله عشرة لا تتعلق بك». أيضاً، اختصر، واحترم وقت الآخرين. وأهم من ذلك احترام خصوصية الآخرين، تذكر أن الإنترنت هو منتدى مفتوح للجميع، فلا تضع معلومات عن الآخرين مما يعرضهم أو يعرضك للمتاعب.
أخيراَ، إذا كان المثل يقول «فكر قبل أن تتكلم»، فإن القاعدة الإلكترونية تقول «جوجل قبل أن تغرد»، أي استشهد بالمراجع الموثوقة في الأخبار المثيرة أو الصادمة قبل أن ترسلها.