عبد الرحمن بن محمد السدحان
* جُبلت على التفاؤل منذ فجر الطفولة رغم قسوة الظروف التي شكَّلت طفولتي، فتأثَّرتْ بها بعضُ مراحل عمري، مدّا وجزْرًا، وبمعنىً أدق، كان التفاؤل كالدوحة التي تتفيأ فيها النفسُ من هجير الإحباط وسطوة الأيام!
* * *
* إنني أُوقنُ أن التفاؤل يثْري الإيمانَ بالخالق، ثم، الثقة بالمخلوق، ويمنح وجدانَ صاحبِه سمةَ الاعتدال، بين (حُمق) التشاؤم، و(فضيلة) القناعة بما قدره الرحمن لي من خير ونفع، وليس في هذا القول ترفُ فلسفي، ولا فوقيّة ينكرُها الطبعُ السويّ، لكنه اعتراف ضمني بأنّ (يُوتوبيا) النفس المطمئنة أمرٌ متعذّر، في ظل عبرات وعثرات هذه الفترة الحضارية الحرجة من عمر كوكبنا المشحون بحسرات الألم! وفي مقدمتها التضاربُ المشهودُ بين معايير الشقاء والنعيم، من صوب، وبين شواهد معاشنا نحن البشَرَ من صوب آخر، بحثًا عن معادلات توفيقية بينهما!
* * *
* بهذا المنظور الفلسفيّ المتفائل بَحذر، أطلّ على العالم كلما انتهك الألم حرمةَ الطمأنينة في أعماقي، لسبب من الأسباب، حينئذٍ أخلدُ إلى نفسي بعيدًا عن الخلق، قريبًا من الخالق جلّ وعلا، وأمنحها التحليق في (سياحة) وجدانية عَبْر هذا الكون، أتأمل أحداثه، وسلوك أهله، أمُمًا وأفرادًا، وأحرصُ أبدًا ما وسعني الحرصُ على استمطار غيمة الإيمان في أعماقي، لقناعتي بأن الإيمان الصادق بالله عاصمٌ من الخوف، ومَنْ لا إيمان له فلا أمان له أو منه أو معه!
* * *
* من جانب آخر، أزعمُ أن أهمَّ موردٍ للتفاؤل أن يُقارن المرءُ بين أمسه الذي كان، ويومه الذي حلَّ، ويستلهمَ من بين هذا وذاك رؤية (تصالح) مع الغد، يتساءلُ من خلالها كيف كان وإلاَمَ آل إليه حاله، وكيف يمكن أن يكمل مشوار العمر بنصيب أوفر من الرضا، ورصيد أقلّ من الإحباط!
* * *
* أخيرًا.. تأملوا ما آل إليه عالمُ اليوم المشحون بظواهر الإحباط، يوشكُ بعضُها أن يُجهضَ في النفس نطفةَ الأمل، ويطفئَ في أعماقه إشراقَة الإبداع! استمعوا إلى نشرات الأخبار كي تعرفوا أنّ إنسانَ اليوم يعيشُ معادلة القمْع النفسي، الظاهر منه والمستتر، لا فرق في ذلك بين عربي وعجمي، ولا بين شرقي وغربي، ولا بين شمالي وجنوبي، إنْ أمِنَ من الهلاكَ حربًا، لم يأمنْ النيلَ من حريته اضْطهادًا، وإنْ ظفرَ بحريته، لم يظفرْ بأمن الزاد له ومن يعول، وإنْ فازَ برفاهية المال، لم يسلمْ من محنة الترف، وما يمكن أن تؤول إليه من مباهج دنيوية زائلة، أولها شيء يشبه النعيم.. وآخرها ندم!
* * *
خاطرة.. عن الشعر:
* الشعر عندي ما خفق له الوجدان، ولم يسفّه العقل! وقد شهدت مؤخرًا مهرجانًا للشعر، فشبهّت ما سمعته بمائدة انتشرت فوقها أصناف من الطعام، منه ما هو كالخيار، لا يسمن وقد يغني من جوع، ومنه ما هو كالعسل، يغني وقد لا يشفي دائمًا، ومنه ما هو كبعض أطعمة الشرق الحارة (تنعم) بمذاقها أول الأمر، ثم (تشقى) بالعواقب بعد ذلك، ولو إلى حين!