د. حمزة السالم
أسطورة مصاص الدماء وما في معناه من المخلوقات التي تقتات على روح الإنسان أو دمه أو لحمه أو خليط مما سبق، هي أسطورة خرافية وُجدت في كثير من الثقافات. ولكن أسطورة مصاص الدماء المعروفة اليوم باسم «Vampire» أصلها قريب، فهو يعود لمنتصف القرن التاسع عشر.
(وحينها، كان الطب لم يصل بعد لطريقة تؤكد موت الإنسان من عدمه. وهناك قصص خرافية كثيرة، روت عن نبش قبور سُمع منها أصوات، أو رآهم أحد في منامه بأنهم أحياء يحاولون الخروج، وثم وجدوا شواهد حسب ادعاءاتهم على هذا عندما فتحوا التوابيت، والحديث عن المجتمعات التي تضع الميت في تابوت ثم يُوضع التابوت في حفرة أو حجرة أو ما شابه ذلك).
وجاء عام 1883م، وكان جورج بروان قد فقد زوجته وابنته بمرض السل، والذي كان يُعرف آنذاك بمرض الاستهلاك. وبروان كان بروتستانتيًا قحًا، فلهذا رفض الخرافات والأساطير وحكايات الشياطين والسحرة والجن الذين يلعنون مدينة أو أسرة فتصاب كلها ببلاء. لذا عندما أدرك المرضُ ابنه، باع ماشيته، ليوفر كلفة علاج ابنه في مشفى يقع في مدينة ينابيع كولورادو، بولاية كولورادو. وتحملت أخته ميرسي لين، القيام بمهام أخوها في المزرعة. وقد تعافى أخوها «إدوين» هناك، وعاد ليُصدم بموت أخته من المرض.
وبعد أشهر بسيطة، عاد المرض وهاجم إدوين، وهو ما يزال في التاسعة عشرة من عمره. وهنا أُسقط في يد أبيه. وجاء أخوه بمزارع يزعم أن هذا المرض من الشيطان وأنه قد اكتشف طريقة طرده. وبما أن بروان كان بروتستانتيًا أصوليًا، فقد طرد المزارع، ورفض الفكرة تمامًا.
ومع فشل العلم الطبي في مساعدة الشاب، تقبل أبوه خرافة المزارع، وذلك في محاولة يائسة لإنقاذ حياته. وهكذا، فبعد مائتي عام من رعب حرق ست عشرة امرأة بتهمة السحر في مدينة سالم القريبة، جاء هذا المرض ليستحوذ هستيريا مصاص الدماء على مدينة اكستر بنيو إنجلاند.
وكان الاعتقاد هو أن والدة ادوين أو إحدى أخواته، اللاتي متن بهذا المرض، لم تمت تمامًا وأنها ظلت معلقة بين الجنة والنار، وهي تقتات على امتصاص الحياة من إدوين. وفي 17 مارس 1892، في مقبرة صغيرة خلف الكنيسة، اُستخرجت توابيت الأم ماري براون والبنت ماري أوليف براون، فلم يجدوا فيها سوى بقايا عظامهم. فنبشوا قبر ميرسي براون، واستخرجوا التابوت ورفعوا الغطاء فإذا مريسي وقد بدا وجهها متوهجًا، فاعتقدوا بوجود دم في قلبها وعروقها. واعترض طبيب العائلة هارولد ميتكالف، على حذلقتهم وتوهمهم، وأكد للجميع أن عدم وجود تحلل في جثة ميرسي كان متسقًا تمامًا مع حقيقة أنها ماتت منذ أقل من شهرين وهم في فصل الشتاء، (ومن عاش في إحدى ولايات نيوانقلند، عرف مدى قسوة الشتاء هناك).
تُجوهلت تصريحات الطبيب، وشقوا عن صدر ميرسي فانتزعوا قلبها ورئتها وكبدها، وحرقوها بالنار. وعادوا إلى منزل الشاب المريض برماد قلب أخته الميتة، فخلطوه بالماء، وأمروا الشاب بشرب هذا «الأكسير» لعدة أيام. ولم ينفع هذا، واستمر السل في استهلاك الشاب، حتى توفي بعد شهرين في 2 مايو 1892.
قامت الصحف بحملة سخرية على الأب المفجوع وعلى الآخرين من الذين أشاروا أو ساعدوا، هذه الخرافة بأنه يمكن للوحش أن يعيش وراء القبر، ويمتص دماء الأحياء.
وتلقف الخبر بعض كُتاب الروايات، فجعلوا من الوحش مصاص دماء، وأصبحت ميرسي براون نفسها «مصاصة الدماء الأمريكية الأولى».