هل نبحث عن الملل في المقهى؟!
لماذا نبحث عن الملل؟!
هل المقهى مُمِل؟! وهل يمكن لنا أن نذهب بأرجلنا إلى الملل؟!
ربما يكون الملل هو المجال الأكثر رحابة للتفكير؛ نحن نفكر حينما نمل! فالتفكير والمقهى والملل يعملون بتزاوج وتناغم؛ يحاولون أن يمنحوا لنا مجالا رحبًا لإنضاج الأفكار؛ ومجالًا أكثر رحابة لنبحث في ذاتنا عن ذاتنا!
المقهى ليس هو المكان الذي يهرب إليه الإنسان من البؤس؛ لأن الذي يذهب إلى المقهى هو الإنسان السعيد (عكس البئيس)، الإنسان الذي يريد أن يجمع شيئا من ذاته في المقهى.
وربما لن يكون (كوب القهوة) هو المانح لهذه اللذة التي تتوافق مع الملل؛ لأن كوب القهوة هو أحد المعينات على جلب الملل؛ فبالتالي حاولوا أن يرسموا الفن على ذروة الكوب؛ ويزينوا الكوب بكل أنواع الزينة؛ اعتقادا منهم أن القهوة جالبة للملل؛ ولعل هذه الرسومات تؤطر شيئا من هذا الملل.
ما الذي يعنيه أن أكتب عن المقهى والملل وأنا الآن في المقهى؟!
هل أشعر بملل الآن؟! هل يمكن لي أن أفكر في الملل؟! هل الملل يأتي عقب تفكير؟!
المقهى يتخذ الحالة المهمة جدا لنا حتى نتلبس بالوجود؛ حتى نكون نحن في أبهى ذواتنا حينما نمل؛ فنخطو اتجاه المقهى؛ فبالتالي يمكن للمقهى أن يكون جالبًا للملل وطاردًا له في الآن ذاته.
ولعل المقهى يمنحنا الملل لأنه يجمعنا؛ إنه يجمع البشر؛ يحاول أن يحولهم من ذوات متفرقة إلى ثلة من البشر يجتمعون في مكان واحد؛ وربما على طاولة واحدة، إنه يمارس علينا التفرقة والتجميع في الآن ذاته، ومن هنا فإن المقهى يسعى إلى أن يشاركنا كينونتنا. فالمقهى يتدخل فينا؛ يفرض علينا ذاته في ذواتنا، والمقهى يريد أن يظهر ذاته من خلالنا؛ يريد أن يكون ذاتا؛ أن يتحول من مقهى خارج عنا إلى مقهى ذاتي؛ يحاول أن يتلبسنا؛ أن يسلُبنا ذاتنا في ذاته.
المقهى المُمِل هو أسمى أنواع المقاهي؛ هو المقهى الذي يحقق حالة التفكير لدينا، هو المقهى الذي يقول لنا بحاله : إن الملل هو تحقيق للذات؛ هو إظهار للذات؛ وأنا / المقهى من يحقق لكم ذواتكم.
ومن هنا فإن المقهى ليس حالة ثقافية؛ أو حالة حضارية؛ بل هو حالة وجودية؛ هو مجال شاسع لنا أن نفكر في ذاتنا مع ذاتنا؛ إنه يمنحنا هذا المجال الذي يجمعنا في مكان واحد ويفرقنا عن بعضنا في الآن ذاته. فكلما كان المقهى مملًا كان أكثر تحقيقًا لهدف المقهى الأسمى.
** **
- صالح بن سالم
@_ssaleh_