الثقافية - محمد هليل الرويلي:
أُثقِل كاهلُكَ يا أعرابي وما تعاييت, فواصلتَ الرَّكبَ تلوَ الرَّكب.. في سفر شطون نال منك وظللتَ تجُولُ بين بلاد العرب جاهدًا للمواسقة بلا كللٍ ولا سَأَمٍ.. تحتدُّ ريشتُكَ لتنظم العقد المتفرد من سلالات نمير الضاد (أشعارهم, وقصصهم, ورواياتهم, ومختلف فنونهم), على ظهور المراكب عبَّ بك البحر وما عنيت, قابضًا منجافها وسواريها، أو مشاركًا في شد الأشرعة, وما إن تجد في خرائطك طحًا من الأرض البسيطة درهمت بك قلوصك, دالفة بين رمال الصحاري العربية وأفاريزها, غير آبهٍ بهجير قيض ولا غلسة ليل لا قمر فيها يصحبك نبكها وخشامها.
وها أنت إذ ولجت ديار الهاشمِيّين زائرًا خفيف المُكثِ في شهر الخير والأفضال فأخبرنا لا كبا بك قلمك ما هالَ رقيمكَ وأدهشهُ في «أُردنّا»؛ إذ عزمْتَ أمر على السَّفَر لتقضي عيد فطرك المبارك بين أهلك وخاصَّتك الكرام «بمنطقة الجوف», تستعينُ على طريق عودتكَ بقصيدةٍ نبطيةٍ شهيرة لواحد من أفاضلكم, تشدُّ بها عزم الطريق مترنِّمًا:
يا ما حلا والشمس يبدي شَعقْهَا
من حَدَّر الزَّرقَا إلى نقْرَة الجُوف
فقلت لجمع من أهل العلم والثقافة القاوين على اصطان القول بعد أن انتبذت مكانًا عليًا من «فيلادلفيا» العاصمة عمان حاليًا: وإنكم يا عالِمُون إذ تعلمون أنه لم يكن من السهل اختزال حضارة «العمونيين», بشح أضابير حبرها صاحبكم, وإن تثنى مع الجداول منثالًا بطون الأودية وسفوح الجبال, وارتقى عتبات المنازل العتيقة لعله يحصر آثارًا من حضاراتكم العريقة, غير أن أبرد ما رضّب صدري وخضّر جنان سريرتي بعد أن كادت كبدي تتيبس من عبرة تناسق نشجها بمضاضة وحرورية تسكابها, لِمَا بصرته عينايَ من حال يؤول, مواقفكم النبيلة التي شهدها العالم وشهد أنكم فيها «مفرق الإنسانية»؛ إذ أقمتم القباب البيض على أباطحكم «الزعترية», وبعدة ألوية ومحافظات مخيمات غُر نصّبْتُم لها صدوركم الحانية البسولة عبر العصور, وشرّعتُم بيوتكم لإيواء مظلومين مستهم لواعج الدهور.
يا أنابل الهبَّات العربية, وأشايم الأفضلين, ومغيثي المستجيرين والمكلومين. يا هَدْأَة المفجوعين وملاذهم الساتر.. أياديكم الطولى حانية ما قالت: كفاف وضعف موارد وضنك عيش, حتى جعلتم كل يد شريفة في هذا العالم تمد عضدًا لمؤازرتكم. مذ الآزال ولا تزالون تجاه الخطوب والكروب الجليّة.. فلله أنتم القادرون المطعمون المانحون. ولعمري إنكم تسنمتم ذروة المفاخر والمناقب, ما جعل صاحبكم الأعرابي يفرد هذه المقدمة وقد أزمع الرحيل, وعلى الله المتوكل والتدبير. فدونكم ما تلقيناه من الألواح قراء «الثقافية»، وما جمعناه في الجزء الأخير المتمحور حول «حراكها النقدي وفنها التشكيلي وأدب طفلها وأبي فنها».
موقع ناصر الدين الأسد من النقد
نسلِّط الضوء في استهلالية الجزء الأخير من رحلة «المجلة الثقافية» بصحيفة الجزيرة في الأردن, مشيرين لجانب مهم، قد يكون نموذجًا بعد ذلك في الحركة النقدية المتشكلة في الأردن؛ إذ تناول أستاذ اللغة واللسانيات في الجامعة الأردنية الدكتور «إبراهيم خليل» هذا المحور تحت عنوان (موقع ناصر الدين الأسد من النقد الأدبي في الأردن)، فقال: عُرف ناصر الدين الأسد (1922- 2015م) برؤيته النقدية الثاقبة وحسه النافذ الذي يستطيعُ به التمييز بين رديء الشعر وجيّده، والأصيل والمُبتكر منه، والتقليديّ الذي يجرى شعراؤه على سَنَن الأوّلين. إذ صنَّفَ في ذلك كتباً، تُضاف إلى أطروحتيه الجامعيَّتيْن. منها كتابه الرائد «محاضراتٌ عن الشعر الحديث في فلسطين والأردن» 1961. و»الاتجاهات الأدبيّة في فلسطين والأردن» 1957م. وكتابه «محمد روحي الخالدي رائد المنهج التاريخي», و»كتاب خليل بيدس رائد القصة العربية في فلسطين». إذ كشف في هاتيكَ الكتُب عن مَقْدرة لافتة في سبْر غوْر القصَّة القصيرة والميْز بين الجيّد مِنْها والمضْطرب، الذي تعْتورُه مظاهرُ النقْص والقُصور, سواءٌ في التَشْخيص أو في اخْتيار الحدَث أو في السَّرْد المَحْبوكِ حبْكًا جيّدًا أو مختلاً، لا يخلو من تفكّكٍ واضْطرابٍ. مُبْديًا رأيَهُ في كتّابٍ معْروفين، منْهم: محمود سيف الدين الإيراني (1914- 1974)، وعيسى الناعوري (1918- 1985)، وخليل بيدَس (1875- 1949) صاحب مجلة [النفائِس] التي واصلت الصُدورَ من 1908 إلى 1923. إذ نسلط الضوء على رؤيته لنقد الشعر الحديث، من حيث النظرية أو من حيث التطبيق.
الظواهر والمناخات الثقافية «قضايا نقدية»
وأضاف: من يقرأ الكتب المذكورة، ولاسيما كتابه «محاضراتٌ عن الشعر الحديث في فلسطين والأردن 1963»، يجده يمزج بين نوعين من النقد، أحدهما يُعنى بتاريخ الظاهرة الأدبية، شعرًا كانت أو نثرًا؛ إذ توافرت لديه قاعدة البيانات التي تُيَسِّر له ما يحتاج إليه من إحاطة بالظاهرة الأدبية، بما فيها من مناخاتٍ ثقافيَّةٍ سائدَةٍ، أدت إلى ظهورها واستمرارها، أو إلى ضُمور أو اختفاء بعض ظواهر الأدَب وأنواع منَ الفن. فنشأة القصة مثلاً تقوم على توافر عوامل السرد في البيئة العربية الثقافية ومظاهره. وغلبة الشعر ترجع لفورة الحوادث السياسية، وتواتر الانتفاضات الشعبية ضد الاستعمار أولاً، والهجرة الصهيونية إلى فلسطين ثانيًا، والنكبة أخيرًا. وثانيهما النقدُ التحليليُّ الفني (الشكليّ) الذي يعتمِدُ إدامة النظر في بناء العمَل الشعريّ أو النثري، والحكم عليه بالضعف أو بالجودة. وفي هذا المقام نجد الأسدَ يلجأ تارة إلى إثارة القضايا، وتارة إلى طرحِ الأسئلة، واقتراح الإجابات.
ومن القضايا التي طرحَها: ضرورة الإلمام بسيرة الأديب وثقافته وما تعرَّضَ له من مواقفَ وحوادثَ شرطًا أساسيًا لا غنى عنه لنقده وفهْم شعره. ولاسيما إذا كان الدارسُ الناقد أمام شاعِر كعرار (مصطفى وهبي التل)، الذي يُكثر من الإشاراتِ الخاصَّة به وببيئته المحلية. وطرح كذلك قضية أخرى، هي: أين تقع مزيَّة الشعر، أهي في الموضوع والمحتوى أم هي في الشعر من حيث هو شعر؟ وعلى الرغم من تسليمه بأنَّ المضمون أو الغرض ركنان مهمان من أركان القصيدة إلا أن المزية فيها لا تتأتى من الموضوع أو من الغرض؛ فعلى القصيدة أن تكون شعرًا أولاً، ثم فليأخذ منها القارئ ما يشاء بعد ذلك.
وتابع الدكتور «إبراهيم خليل»: كما توقف إزاء مسألة ذيوع الشعر وانتشاره، ومبْلغ دلالة الذيوع والشُهرة على جودة الشعر وتميُّزه. فهو مع الرأي الشائع الذي يقول بأن سيرورة الشعر وانتشارهُ دليلان على جودته وإحكام نسْجه، مؤكدًا أن ذيوع شعر عرار بين عامة الناس دليلٌ ساطعٌ وحجة قوية لمن يرى فيه مزية على شعر غيره، وجودة يفضلُ بها شِعْر سواه. مع أن القول بذيوع الشعر، أو خمول ذكْر الشاعر، كدليلين على الجودة أو على الركاكة والضعف، قولٌ يحتاج منّا إلى إعادة نظر؛ فالأسباب التي قد تؤدي لذيوع الشعر أو لشهرة صاحبه متعدِّدَة وشديدة التباين، منها ما له صلة بالشعر وبالأدب، ومنها ما ليست له صلة بذلك. وأخيراً نجد الأسد يتوقف إزاء قضيتين نقديتين مهمتين، هما: قضية التعبير غير المباشر عن المعْنى، وقضيَّة المعجم الشعري الذي يميّز مبدعًا عن آخر، وشاعرًا عن شاعر.
الفن التشكيلي مفاهيم حديثة ولغة جديدة
وفي جانب الحركة التشكيلية الفنية الأردنية، والمفاهيم الحديثة واللغة الجديدة التي مازت حركة الفنانين التشكيليين، استهل الرئيس السابق لرابطة التشكيليّين الأردنيين الدكتور «غازي انعيم» الحديث بطرح عدد من التساؤلات للدخول لتاريخ تشكُّل هذه الحركة، فقال: غالباً ما نتساءل عن اتجاهات الفن الذي تفرزه المجتمعات بعد التحولات التي تفرضها الحياة. وغالباً ما نتساءل أيضاً: هل يمكن أن نتحدث عما أفرزته هذه المجتمعات دون الإشارة إلى مراحل التطور في تاريخ فن هذه المجتمعات؟ مضيفًا بأن الفن التشكيلي من أكثر الفنون ارتباطًا بتطور المجتمع، ونحن عندما نستذكر تاريخ البقايا والآثار، وبشكل خاص تماثيل «عين غزال» وبقايا الأنباط أو بقايا الرومان أو القصور الإسلامية المنتشرة بكثرة في ربوع الأردن، أو أشكال الخط التي مارسها أبناء هذه المنطقة، فإننا نحاول أن نقبض على خيط يربط بين كل ذلك والتأريخ لنشأة وتطور الفنون على هذه الأرض.
مؤكدًا أن التحولات الفنية التي حصلت في الأردن منذ تأسيسه حتى الآن ألقت على عاتق الجيل الأول (جيل الخمسينيات والستينيات, جيل المرحلة الأولى «فاطمة المحب، ورفيق اللحام، ومهنا الدرة، وأحمد نعواش، وتوفيق السيد وغيرهم... «) إرساء دعائم الحركة الفنية التشكيلية الأردنية، وإعطاءها ملامحها البارزة. فهؤلاء الفنانون الذين درسوا في الخارج، ومثّلوا المرحلة الأولى، كانت روح المعاصرة هدفهم وطريقهم، وكان من مهامهم أيضًا تجنيد طاقاتهم الإبداعية في خدمة النهضة الشاملة لمجتمعهم.
وأضاف: وشكّلت سبعينيات القرن الماضي المرحلة الثانية من تاريخ الحركة التشكيلية الأردنية؛ فكانت هذه المرحلة التي تلت هزيمة حزيران 1967 م فترة مهمة من فترات التطور السياسي في الأردن؛ وذلك لأن العدوان الصهيوني على فلسطين والأردن قد ألهب المشاعر، وجعل المناخ ملائمًا لحركة فنية لها أساليبها ورؤيتها الفنية التي تتوافق مع المد الجماهيري الذي تصاعد في تلك المرحلة التي شهدت اهتمامًا بالفنون، تمثلت بتأسيس «مركز تدريب الفنون» في وزارة الثقافة عام 1972، الذي أخذ على عاتقه تنمية المواهب وصقلها، ورفد الحركة التشكيلية بالإمكانات الشابة الجديدة.
رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين
كما اهتم كثير من فناني هذه المرحلة بما هو معاصر، واستطاعوا أن يثروا الفن التشكيلي الأردني بلوحات فنية ذات مضامين تاريخية وفلسفية مهمة، وأصبح الحكم على الأثر الفني في المرحلة إنما يأخذ بعين الاعتبار الموضوع والتكوين والخط والبناء الإيقاعي للعمل الفني، ثم يرجع بالتالي إلى التأثير العام للأثر الفني على المشاهد. ومع نهاية المرحلة الثانية تأسست «رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين» عام 1977، ومعها بدأت الفنون التشكيلية في الأردن تزدهر، فأصبحت واجهة بارزة في الحياة الثقافية خاصة بعد تأسيس كلية الفنون في جامعة اليرموك، وكلية الفنون والتصميم في الجامعة الأردنية عام 2002.
ومع بداية الثمانينيات بدأت المرحلة الثالثة، ومعها بدأت تتكاثر أعداد الفنانين التشكيليين، ومعها بدأ يلوح في أفق الفن التشكيلي نضوج على مستوى الوعي الإبداعي لدور الفنان الأردني؛ ولهذا يمكننا القول بأن حركة الفن التشكيلي الأردني في هذه المرحلة متعددة الأساليب..
فيما كانت المرحلة الرابعة بمنزلة مرحلة التحولات؛ إذ تشكّلت مجموعات تشكيلية في تسعينيات القرن الماضي، وكان لكل منها لونه وطابعه الخاص. وما يميز هذه المرحلة أن الفنانين الأردنيين أصبحوا أكثر شجاعة من سابقيهم في خرق مجال المواضيع المطروقة، وفي تصديهم للتصرف بما هو مألوف من العلاقات والمساحات الجمالية في اللوحة.
وزاد: ثم خطت الحركة التشكيلية الأردنية في مرحلتها الخامسة، والممتدة من عام 2000 حتى 2017، خطوات تفوق عمرها الزمني، وأصبحت في مستوى لا بأس به بالقياس مع حركات تشكيلية في دول أخرى. ومما لا شك فيه أن الأنظار أصبحت تتجه إلى الفن التشكيلي الأردني، وتتوقع منه المزيد من التطور والنجاح على المستويَيْن المحلي والدولي كنتيجة طبيعية لما تقوم به رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين من دعم وتشجيع للفنانين الشباب، وإقامة الندوات والورش الفنية والملتقيات التشكيلية والمعارض الخاصة والجماعية لهم؛ إذ ظهر خلال هذه المعارض تجارب فنية شبابية، مثلت قمة التمرد على كل ما هو تقليدي في التعبير الفني. وهذه التجارب التي استقطبت من قِبل أصحاب صالات العرض أخذت على عاتقها التجديد، وشق الطريق أمام التيارات الفنية على اختلاف أنماطها. وبرز في هذه المرحلة أسماء درست في أكاديميات فنية، وأخرى لم تدرس الفن، لكنها حققت قدرًا متباينًا من مهارة الأداء وامتلاك الأدوات، وأخذت لوحاتهم دورها التغييري، وفرضت نفسها، وأثبتت وجودها، ودخلت المنافسة بقوة، وجعلت لها موقعًا ومكانًا بين التجارب الفنية. ويجدر القول أخيرًا إن حركة الفن التشكيلي في الأردن اختصرت المسافات الزمنية بطرح مفاهيم حديثة، ولغة جديدة, اتسمت بالتنوع في اتجاهات التشكيل ومدارسه المختلفة من الواقعية والتأثيرية والانطباعية والتكعيبية والتعبيرية والسريالية وما بعد الحداثة والمفاهيمية, وشهدت خطوات متلاحقة من التطوير والاهتمام حتى وصلت إلى المستوى الذي نشهده اليوم.
المونودراما في المسرح الأردني
وحول ما يعرف بمصطلح «المونودراما», الذي بدأ في الظهور على خشبة المسرح الأردني في منتصف ثمانينيات القرن الماضي, كشفت الناقدة الدكتور «صبحة أحمد علقم» - جامعة الزيتونة الأردنية أن «المونودراما» في أبسط تعريف لها هي مسرحية يؤديها ممثل واحد، أو ممثلة واحدة، وغالبًا ما تحتوي على شخصية واحدة. وأصل المصطلح إغريقي، يتكون من كلمتين: «مونوMono» وتعني «واحد»، و»دراما Drama» وتعنـي «فعل». لكنها، شأنها شأن أي مصطلح أو مفهوم أدبي، تعددت تعريفاتها نقديًّا ومعجميًّا، ولكنها جميعًا تؤكد أن المونودراما مسرحية تُكتب أو تُصَمَّم ليؤديها شخص واحد، مثل : مسرحية «شريط كراب الأخير»، و»الأيام السعيدة» لصموئيل بيكيت. وقد يستعين النص «المونودراميفي» في بعض الأحيان بعدد من الممثلين، لكن عليهم أن يظلوا صامتين طوال العرض، وإلا انتفت صفة «المونو» عن الدراما.
وأضافت: ثم توارت المونودراما عن خشبة المسرح إبان القرن التاسع عشر. ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومع الصحوة الرومانسية التي بلغت أوجها في المسرح على أيدي التعبيريين في ألمانيا، بدأت المونودراما تعود إلى خشبة المسرح. فيما لم تبدأ التجارب المسرحية المونودرامية في العالم العربي بالتنامي إلاّ في سبعينيات القرن الماضي، وقد تفاوت ذلك، زمنيًّا من بلد عربي إلى آخر؛ إذ ازدهرت المونودراما في المسرح العربي، وازداد إقبال الكتّاب والمخرجين والممثلين عليها مع إقامة عدد من المهرجانات الخاصة بها.
وأكدت الدكتورة «علقم»: في الأردن بدأ الاهتمام بالمونودراما، إخراجًا وإنتاجًا في منتصف ثمانينيات القرن الماضي؛ إذ أنتجت ثلاثة نصوص في عام واحد «1984»، هي: مونودراما «حال الدنيا»، تأليف ممدوح عدوان، وإخراج حاتم السيد، ومونودراما «أغنية البجع» لتشيخوف، إخراج محمود إسماعيل بدر، ومونودراما «وحدي في بيت الجنون»، تأليف توفيق فياض، وإخراج خالد الطريفي. أما تأليفًا فقد كتب كل من نادرة عمران وجمال أبو حمدان في عام 1992 نصَّين مونودراميَّين، الأول بعنوان «كو اليس»، وقد أخرجته ومثلته عمران بإشراف المخرج جواد الأسدي، والثاني بعنوان «ليلة دفن الممثلة جيم»، أخرجه جميل عواد، ومثلته جوليت عواد، ثم توالى تباعًا ظهور نصوص أخرى، نُشر بعضها في كتب أو دوريات أو مواقع إلكترونية، وقُدم بعضها الآخر على المسرح فقط، مثل: (تغريبة ابن سيرين، عشيات حلم، وآدم وحيدًا) لمفلح العدوان، و(خمس دمى، وأنا لحبيبي) لغنام غنام، و(الرسالة، والنجمة والهيكل) لشايش النعيمي، و»نوبة صحيان» لنادرة عمران (معدة عن مونودراما «يقظة» للكاتب الإيطالي داريو فو)، و»مصابة بالوضوح» لسوسن دروزة، و»لعبة الشاطر» لفتحي عبد الرحمن، و»عائد إلى حيفا» ليحيى البشتاوي (معدّة عن رواية بالاسم نفسه لغسان كنفاني)، و»شاطئ الفنان» لعائد ماضي، و»القميص المسروق» لصلاح أبو هنود، و»ابن فضلان في بلاد العربان» لمنصور عمايرة، و»على قيد الموت» لهناء البواب، و»فيس بوك» لأحمد الطراونة، و»البحث عن عزيزة سليمان» لعاطف الفراية. وقد أُنتج أغلب هذه النصوص وعُرض في مهرجانات محلية وعربية، لكنها لم تحظ بالبحث العلمي، والدراسة النقدية المنهجية، وكل ما كُتب عن بعضها لا يتعدى مقالات بسيطة في الصحف والدوريات المحلية والعربية.
أدب الأطفال.. الجذور والجذوع والفروع
وحول تشكُّل أدب الطفل في مسيرة الحراك الأدبي والثقافي في المملكة الأردنية الهاشمية كشف رئيس لجنة أدب الطفل في رابطة الكتّاب الأردنيين الكاتب «محمد جمال عمرو» أن محاولات تقديم أدب الأطفال بدأت منذ العام 1928م على أيدي أساتذة، منهم «خليل السكاكيني، إسحاق موسى الحسيني، راضي عبد الهادي، عيسى الناعوري، وروكس العزيزي» وآخرون من الرواد الذين مثلوا جذور هذا الأدب. وقال: وهناك كتّاب يمثلون الجذوع في أدب الأطفال، بينهم «أحمد أبو عرقوب، ومحمد القيسي، وإبراهيم نصر الله..»، إضافة لكتّاب اهتموا لاحقًا بكتابة أدب الطفل، ومثَّلوا الفروع «محمود الرجبي، ويوسف البرّي، ود. مصلح النجّار ود. إبراهيم الكوفحي..».
رسّامو وشعراء أدب الأطفال الأردنيون
وهناك رسامون قدّموا إنجازًا واضحًا في إنتاج رسومات أدب الأطفال في الأردن «راشد الكباريتي، وعلي عمرو، ومنال حدادين، وهاني مسعود.. وغيرهم». أما الشعراء الذين كتبوا في هذا الأدب فمن بينهم: يوسف العظم، ومن أبرز أعماله «براعم الإسلام»، و»أناشيد وأغاريد للجيل المسلم»، و»أدعية وآداب للجيل المسلم»، و»مشاهد وآيات للجيل المسلم»، و»أخلاق الجيل المسلم». وكذلك حسني فريز، ومن أعماله «نرسم ويكتبون»، و»قصص من بلدي»، و»قصص وتمثيليات»، و «مغامرات حمار»، و»قصائد وأناشيد متفرقة في صحافة الأطفال». ومحمّد جمال عمرو، وله منشورات زادت على المئتيْن، تنوّعت بين الشعر والقصّة والمسرح، وكان له إسهام مُبكّر في صناعة الرسوم المتحرّكة العربيّة من خلال فيلم «فتح القسطنطينيّة»، و»رحلة الخلود»، و»مسرور في جزيرة اللؤلؤ»، كما قدّم برامج حاسوب للأطفال. ود. راشد عيسى، ومن أعماله «يا وطن»، وأناشيد منهاج رياض الأطفال «هيا إلى العربيّة»، وأناشيد منهاج اللغة العربيّة للصفوف الابتدائيّة في المناهج الأردنيّة، إضافة لما كتبه كل من د. كمال رشيد, علي البتيري, ومحمد الظاهر, ود. محمود الشلبي.
مسرح وقصة وصحافة الطفل
وأكد الباحث والكاتب «محمد جمال عمرو» أن قصة الأطفال في الأردن حظيت بنصيب الأسد في الإنتاج المقدم للأطفال غير أن الملاحظ في النتاج الخاص في هذا المجال أن القصص ذات المضمون العلمي والطبيّ والصناعيّ قليلة العدد نسبيًا بما لا يتفق مع توجهات عصرنا بوصفه عصر العلم والتكنولوجيا وثورة المعلومات. كذلك شهدت ساحة أدب الطفل في الأردن ظاهرة ملحوظة، تتمثل في توجُّه عدد من المهتمّات بالطفولة لكتابة القصة للأطفال؛ إذ نلمس في أعمالهن توظيف تجاربهن الشخصيّة من خلال تربيتهنّ أطفالهنّ في تقديم مضامين القصص، بينما قدّمت أخريات مضامين متنوعة في إنتاجهن الموجَّه للأطفال. ومن الكاتبات اللواتي برزن في مجال كتابة قصة الطفل في الأردن «عبير الطاهر، ويونا أبو رحمة، وسناء الحطّاب، وسهى العزّة..». ومن كتّاب قصة الطفل في الأردن «تغريد النجار»، ومن أعمالها «صفوان البهلوان, مدينة الألوان, حسن والغول». و د. هدى فاخوري، ومن أعمالها «قصة الأسنان, السنونية وقصص أخرى, صديقتي شجرة اللوز». وسناء الحطاب، ومن قصصها «المشجع الرائع, صغيرة أم كبيرة, أنا قصير». و د. محمود أبو فروة الرجبي، ومن أعماله «الحيلة القاتلة, مذكرات أحمد, الكلمات العجيبة». ومنير الهور، ومن أعماله: «حبّة القمح, الحقيبة المسحورة, سعيد والكرة».
وأضاف عمرو: أما في المسرح فأشار الباحثون إلى أنّ أوّل مسرحية قُدمت للأطفال وفق مواصفات مسرح الطفل كانت للمخرجة مارغو ملاتجليان بعنوان «عنبرة والساحرة»، وكان ذلك سنة 1970م. ولعلّ ما يعنينا في مقامنا هذا هو النصّ المسرحيّ وكُتّابه. فإلى جانب مارغو ملاتجليان تخصّص عدد من الكتّاب في تأليف وإعداد النصوص المسرحيّة، منهم «أكرم أبو الراغب، وغنام غنام، وزهير كحالة..». ومن أبرز كتّاب مسرح الطفل في الأردن «مارغو ملاتجليان ويوسف البري». كما صدرت للأطفال مجلات عدّة، عُنيت بصحافة الطفل منذ سنة 1971م، منها مجلات (فارس, لونا, أروى, الكرتون العربي, وسام, براعم عمّان, حاتم, الشرطي الصغير والإطفائي). مفيدًا بأن «أدب الأطفال» يحتلّ اليوم مكانة مرموقة بين صنوف الآداب الأخرى؛ فقد أسست له المؤسسات، ووظفت للنهوض به الكوادر والطاقات، وصارت له أسسه وقواعده ومرتكزاته، وحددت معالمه وألوانه ووسائطه، وصار يدرس في الجامعات، ويحظى باهتمام كبير، نأمل أن يؤتي أكله، وأن ينعكس على مسيرة أدب الطفل الأردنيّ وثقافته.