بالرغم من عشقنا للصحراء منذ نعومة أظفارنا، وكلما وجدنا الفرصة هربنا من ضيق الجدران إلى رحاب البراري والوديان. ونفرح فرحاً طفولياً برائحة الأرض بعد هطول الأمطار. بيد أننا ندرك أن التصحر ظاهرة مخيفة انتشرت في عصرنا بسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ. وندرك كذلك مدى الرعب لدى البشر من ظاهرة التصحر التي تجتاح كوكبنا. ولا نستغرب من تكوّن تيارات مقاومة لأسباب التصحر في الدول الصناعية وغير الصناعية، من أجل إيقاف تخريب الطبيعة وتهديد الحياة على الأرض!. ولكن هل يقتصر التهديد على انحسار المساحات الخضراء؟
ظاهرة التصحر الأرضي ليست الظاهرة الوحيدة التي تهدد وجود الكائنات الحية على هذه الأرض!. فالذي يجعلنا لا نكترث لرائحة الموت المنتشرة في كل مكان؛ وكأن ذلك لا يعنينا؛ ونسمع عن «تسونامي» هنا وزلزال هناك؛ ولا يرف لنا جفن؛ أليس ذلك «تصحراً أخلاقياً» يهدد كياناتنا؟.
حينما يعترف أحد المفكرين أو مجموعة منهم، والذين كنا نعتبرهم «قدوة» لنا، ويقول بعد عشرة أو عشرين عاماً على «مقولاته المقدسة» السابقة؛ أنا آسف؛ لقد أخطأت؛ ألا يجعلنا ذلك نفوق من غفوتنا؟؛ ونرفض أن نكون مجرد إمّعات؟؛ ونشغل عقولنا المعطلة؟ ثم نراجع ما تلقيناه في المدارس والجامعات؟ والأهالي «الإمعات»؟؛ من تلقين لعين؛ جعلنا نُساق كالأنعام؛ بدون عقول؛ ونصدق من ليس له ذمة ولا مبدأ؟ أليس من حقنا أن «نجعل كيدهم في تضليل»؟. ولا يقتصر الأمر على هذا الأفّاق أو ذاك!، بل يشكل «تفكيرنا» الإعلام الدولي؛ والمحلي؛ كيفما يشاء؛ وحينما يشاء؛ لما يريد هو أن نكون!. أليس كل ذلك تصحراً «فكرياً وروحياً» فينا؛ أشد خطراً علينا من الاحتباس الحراري؟
لقد عبث وتولى فينا الفن الهابط الدولي والمحلي؛ حتى صرنا نقطّع جذورنا الفنية الأصيلة بأيدينا، التي ورثناها؛ عبر الأجيال؛ طيلة آلاف السنين؛ وننساق وراء فن «الكاوبوي»؛ الذي لا يتجاوز عمره بضع مئات من السنين؛ بل نَسْخَرُ مِمَّن يصر على «تذوق» الفن الأصيل؛ أليس هذا تصحراً «فنياً»؟ ويمكنه أن يدمر أرواحنا عوضاً عن عقولنا؟.
عندما أسمع عن امرأة تركت زوجها وأطفالها الأربعة؛ لا لسبب سوى أنها وجدت من هو أكثر وسامة من زوجها!؛ أليس هذا تصحر في مشاعر «الأمومة»؟ وعندما أجد أباً؛ تزوج أربعاً؛ وطلق خمساً؛ وهو لا يملك سوى مرتب حارس أو ما شابه؛ أليس هذا تصحراً أبوياً وأخلاقياً وفكرياً وروحياً أو كل «التصحرات» مجتمعة!؟ نحن مهددون بفقدان «إنسانيتنا» تدريجياً؛ أي «التصحر الإنساني»؛ أي التوحش!؛ وهذا ما يؤرقني!.
** **
- د. عادل العلي