سهوب بغدادي
فيما سمعنا عن عدد من الحالات المستهجنة لهروب المراهقين إلى الخارج بحجة خوفهم على أنفسهم عقب الإلحاد أي تركهم الإسلام وعدم إيمانهم بوجود الخالق. فمن هذا النطاق نتساءل عن أبعاد هذه الظاهرة الحديثة على المجتمع السعودي. لما كان لهذه الظاهرة أسباب ظاهرية يعبر عنها الهاربون من أبرزها ترك الإسلام والخوف على حياتهم من مجتمعهم المسلم والمحافظ. إلا أنه من الواجب علينا التوقف عند هذه الإشكالية كأي إشكالية اجتماعية تعترضنا وذلك عن طريق القيام بالدراسات والأبحاث في هذا النسق بغية إيجاد حلول ووسائل وقاية مناسبة لفلذات أكبادنا. لا نستطيع وصف هذه المشكلة بأنها عائلية فقط بل هي أكثر من ذلك بكثير ويعود السبب إلى أن الأساس في الإلحاد هو عدم الإفصاح عنه لأن الأصل الإيمان واليقين وما خالف ذلك غير مقبول في أكثر الأديان والثقافات إضافة إلى طبيعة الإنسان للإحساس بالانتماء، فَلَو كان الشخص ملحداً (سراً) فما الحاجة الملحة والدافع لهروبه خارج السعودية؟ إذن هروب الشباب إناثًا وذكورًا خارج السعودية أمر يتخطى الاعتقاد الكامن في النفس ويدخل في النطاق السيكولوجي والاجتماعي والاقتصادي وما إلى ذلك وقد تأتي الفرضيات في هذا النطاق كالآتي:
1 - تأثير العولمة globalization: إنه لمن الجلي أن الإنترنت جعل من العالم قرية صغيرة كما أتاح جميع مصادر العلم والمعرفة بكبسة زر، فبالتأكيد هنالك تبعات لتعرض الشخص بشكل يومي لهذا الكم الهائل من المعلومات لمدة طويلة، قد يطلق عليه البعض (الغزو الفكري) ولكنه بطبيعة الحال وإن كان غزوًا للعقول فهو لا يستهدف شخصًا دون الآخر إنما الجميع معرضون إلى البرمجة الفكرية فكما يلحد المسلم -والعياذ بالله- بسبب المعلومات التي يتعرض لها عن طريق الإنترنت نجد العديد ممن يعتنقون الإسلام بسبب معلومات توجد في ذات المكان. إذن، الجميع يعلم أن الإنترنت سلاح ذو حدين إنما نستهين بقوة تأثيره علينا.العملية أشبه بالتسويق لمنتج، كتأثير الفاشنيستات والمشاهير عند الإعلان لمنتج ما فالإلحاد فكر ذو شعبية في ظل تواجد الأنظمة العلمانية التي تهمش وتفصل الدين عن جوانب الحياة إلى أن أصبح ذلك أُسلوب ومنهاج حياة وطغى جانب على الآخر.
2 - الإسلام السياسي (الصحوة): لا نستطيع الجزم والإلقاء بكامل اللوم على تلك الفترة المظلمة باعتبار الشريحة العمرية الخاصة بظاهرة الهروب والإلحاد فَلَو كانت لدينا عينات وعدد معروف في دراسة خاصة بتداعيات الظاهرة لكان الحكم أسهل وأوضح. إلا أن أغلب الحالات -وهي قليلة- ولله الحمد لم تتجاوز أعمارهم (ن) الـ20 فهل هي مصادفة؟ من هنا نأتي إلى الفرضية التالية.
3 - محدودية طرق التعليم والمناهج: على الرغم من أنني معجبة بما توصلنا له في مجال التعليم العام والمناهج إلا أن أي منحى قابل للتحسين بشكل مستمر -وسأتطرق لهذا الأمر في مقال لاحق إن شاء الله- إن العقول الشابة اليوم مختلفة تمام الاختلاف عن عقول من سبقهم من جيل الثمانينات والسبعينات وما إلى ذلك نظرا لتوفر سبل استقاء المعلومات التي في المناهج من الإنترنت والاستزادة في ذات الموضوع وبالتالي اتساع مدارك الطالب، إن التعليم من أصعب المهن لِما يواجه المعلم من تساؤلات وأمور خارج نطاق المنهج الدراسي التي تصل إلى الأمور التربوية وأكثر من ذلك بكثير فالحل هنا يكمن في برامج إعداد المعلمين وتفعيل طرق التدريس الحديثة والتواصل الفعّال بين المدرسة والمنزل ليشكل الاثنان حلقة وصل تدفع بالطالب/ة إلى التميز في جميع نواحي الحياة.
4 - غياب القدوة المعاصرة: فيما يميل المراهق إلى محاكاة شخص يرى فيه القدوة والجاذبية وقد يتجه العديد من الأطفال والمراهقين على حد سواء إلى اختيار قدوة غير صالحة عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي أو تبني رؤية شخص من ثقافة وعقيدة مغايرة لكل ما هو عليه وذلك لغياب عنصر الجذب والمعاصرة في الشخصيات المقدمة له أو لتلميع صورة الغرب من خلال صناعة الأفلام.
5 - غياب دعم المحيط: قد يكون غياب دعم الأهل النفسي أو بالأصح الإساءة للطفل والمراهق نفسيا ولفظياً وجسديا أحد أبرز أسباب رفضه لمحيطه.
6 - غياب الهدف والصحة النفسية: إن انعدام الهدف في الحياة قد يكّون مكتسبًا من البيئة القريبة والبعيدة كالأهل والأقارب إلا أن ذات الإشكالية قد تنجم عن سوء الصحة النفسية للشخص ولا يقصد هنا الجنون بل أي عرض نفسي محتمل الحدوث كالاكتئاب والتوتر وما إلى ذلك.
إن هروب الفتاة أو الشاب لا يعني إخفاق الأهل في التربية ولكن يجب علينا عدم الركون إلى غياهب اليأس من هذا الشخص فكل غائب قد يعود عندما يعود إلى نفسه أولاً.