«الجزيرة» - وهيب الوهيبي:
عشية السابع والعشرين من رمضان المقبل سوف يلتئم اجتماع قادة الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، في القمة العادية الرابعة عشرة بجوار الكعبة المشرّفة في مكة المكرّمة في المملكة العربية السعودية، لتعقد باكتمال نصابها سلسلة تاريخية لمسيرة منظمة التعاون الإسلامي من (جدة إلى مكة) التي كانت تُعرف باسم منظمة المؤتمر الإسلامي حال وضع تفاصيل تأسيسها في جدة قبل قرابة النصف قرن.
وقد كان للجهود المخلصة التي بذلها المغفور له بإذن الله، الملك فيصل بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت، مع رفاقه من ملوك ورؤساء الدول الإسلامية المعنية، الدور الكبير في جمع قادة وممثلي الدول الإسلامية في مدينة الرباط في الفترة من 22 إلى 25 سبتمبر 1969، في أول قمة إسلامية، والتي كانت البداية الفعلية لإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، والتي تعرف اليوم باسم منظمة التعاون الإسلامي.
وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز – حفظهما الله – والتي تشهد المنظمة في عهدهما دعماً مادياً ومعنوياً غير مسبوق لكل أنشطتها وبرامجها التي تطلقها بين الحين والآخر، باعتبار المملكة العربية السعودية قائدة العالم الإسلامي وقبلة المسلمين الذين تتوجه أفئدتهم إليها يومياً.
وظلت السعودية داعماً بارزاً لأهداف ورؤية منظمة التعاون، الداعية لدعم الأقليات المسلمة ودعم قضايا العالم الإسلامي والدفاع عنها في المحافل الدولية، بالإضافة إلى مكافحة الإرهاب والتطرف والعنف، وتعزيز السلم والأمن من خلال نشر قيم التسامح والعدل والتعايش، ومنها على سبيل المثال إطلاق مركز الملك عبدالله للحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات والمركز الدولي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال» وغيرها من المراكز الفكرية الشاملة.
وقد انطلق السعي لإصلاح شأن المسلمين والنهوض بأوضاعهم في مجمله من دواعي الحاجة إلى مواجهة المخاطر المحدقة بهم ونتيجة للنكبات المتلاحقة التي ألـمّـت بهم، إذ كان من الطبيعي أنه كلما حلّت معضلة بالعالم الإسلامي أو ببعض مناطقه تعالت النداءات إلى إصلاح البيت الإسلامي وإلى البحث عن أفق جديد للتآزر وإطار مغاير للتعاضد والتناصر.
ومع نهاية الستينيات، ظهرت متغيرات جديدة على الساحة الإسلامية، وتحديداً منذ احتلال إسرائيل للقسم الشرقي من مدينة القدس في غمار حرب عام 1967 . وكانت قضية القدس الشريف محل إجماع الشعوب الإسلامية، وبخاصة بعدما تجلت للجميع خطورة ما يجري في فلسطين، ووفرت واقعة حريق المسجد الأقصى أبرز الأسباب وأكثرها إلحاحاً لتتويج الجهود الساعية لتحقيق التضامن بين بلدان العالم الإسلامي وتحقيق الانسجام في مواقفها لمعالجة القضايا والتحديات الكبرى.
وفي يوم 8 جمادى الآخرة 1389هـ -الموافق 21 أغسطس 1969م، أقدم متطرف إسرائيلي اسمه مايكل دينيس روهن على إشعال النار في الجامع القبْلي في المسجد الأقصى، والتهم الحريق أجزاءً مهمة منه، من بينها منبر نور الدين محمود الذي وضعه صلاح الدين الأيوبي واشتهر باسمه. وشكل هذا العمل الإجرامي فاجعة كبيرة أصابت المسلمين في شتى ديارهم في الصميم، وأحدثت ردة فعل كبيرة في العالم الإسلامي.
وهنا تداعت خمس وعشرون دولة لتوحيد جهودها والتعاون فيما بينها لخدمة قضاياها المشتركة، ومع مرور الوقت تبلورت ما كان يعرف حين ذاك: (منظمة المؤتمر الإسلامي) التي تضم حاليا في عضويتها 57 دولة، ويصبح اسمها في عام 2011، منظمة التعاون الإسلامي.
وفي خضم هذه الأحداث، بدا أن دور المملكة العربية السعودية في تأسيس المنظمة بارزٌ بصورة جلية منذ اليوم الأول - ففي مارس 1970، انعقد أول مؤتمر لوزراء خارجية الدول الإسلامية في جدة بالمملكة العربية السعودية (دولة المقر)، وحضره ممثلون لسبع عشرة دولة إسلامية.
وناقش مؤتمر جدة اقتراح إقامة تنظيم دولي للدول الإسلامية، أو ما يعرف اليوم باسم المنظمة يعمل وفقاً لميثاق محدد، وفي إطار أمانة عامة دائمة تعمل من مدينة جدة، حيث تم الاتفاق على إنشاء منظمة للدول الإسلامية تكون لها أمانة عامة وميثاق. وهكذا، قرر المؤتمر أن ينعقد مؤتمر وزراء الخارجية مرة كل سنة، لمراجعة التقدم الذي أحرزه في ميدان تطبيق قراراته، ومناقشة المسائل ذات الأهمية المشتركة، وتعيين مكان مؤتمرات القمة الإسلامية وزمانها. كما قرر إنشاء أمانة دائمة، يكون من أغراضها، أن تصبح حلقة اتصال بين الدول الأعضاء، ومتابعة تنفيذ القرارات، التي يصدرها المؤتمر، والإعداد لدورات انعقاد المؤتمر وتنظيمها. وتقرر أن يترأس الأمانة، أمين يعينه مؤتمر وزراء الخارجية لمدة عامين، وكُلفت ماليزيا باختياره. كما تقرر أن تكون جدة هي مقر الأمانة على أن تتحمل الدول الأعضاء نفقات إدارة نشاط الأمانة، وهكذا نستطيع أن نقول إن التأسيس كان على يد قادة المملكة ورجالها، وعلى أرضها، واليوم يشبه الأمس حيث يلتئم صرح القمة على أطهر بقاع الأرض؛ مكة المكرمة، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.
ويذكر أن المملكة كانت قد عقدت على أرضها القمة الإسلامية العادية في دورتها الثالثة في جدة يناير 1981، كما عقدت بعد ذلك القمم الإسلامية الاستثنائية الثالثة في ديسمبر 2005، والرابعة في أغسطس 2012. ومنذ مؤتمر جدة الأول لوزراء الخارجية وحتى اليوم، تكون المملكة قد استضافت خمسة اجتماعات لوزراء الخارجية للدول الإسلامية في دوراتها الأولى والثالثة والسادسة والـ18 والـ41 .
وعلى مدى هذه العقود الطويلة، ساهمت المملكة العربية السعودية بشكل واضح وكبير في استمرار ونماء منظمة التعاون الإسلامي ومنظماتها الأربع والعشرين المتفرعة والمتخصصة والمنتمية والتي تشكل عائلة تنتشر في دول المنظمة الـ 57 لتخدم الأمة الإسلامية في جميع المجالات والاختصاصات.
ويقول الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين في حديث خاص إلى (الجزيرة) إن «المنظمة حظيت بمكانة خاصة لدى المملكة العربية السعودية وملوكها منذ مؤسس المنظمة، الملك فيصل طيب الله ثراه، وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله، خاصة ما تتميز به المملكة اليوم من دبلوماسية القوة الناعمة التي تجمع بين الحزم والانفتاح على العالم».
ويضيف الأمين العام: «إن ذلك ليس بالغريب فالمملكة أرض الحرمين الشريفين، وتتناغم بكونها قبلة المسلمين ومهوى أفئدة مليار وثمانمائة مليون مسلم، مع حقيقة أنها دولة المقر للمنظمة الجامعة للمسلمين والتي تعبر عن صوتهم وهمومهم والتحديات التي تقف أمامهم».
ويشير الأمين العام إلى أن انعقاد القمة في المملكة العربية السعودية يعني أن المملكة تأخذ دورها المستحق والطبيعي في قيادة الجهد الإسلامي، والإمساك بناصية المبادرة، في ظرف دقيق وصعب يعصف بالعالم الإسلامي ويحتاج إلى أن تضفي المملكة زخم وقوة التأسيس التي ظهرت بوضوح في عام 1969، على منظمة اليوم مع كل ما يعانيه العالم الإسلامي من حروب أهلية وكوارث إنسانية، لتستوحي المملكة دورها الريادي في عام 1969 في استرسال دورها اليوم في عام 2019 .
فالمملكة العربية السعودية تستضيف 10 منظمات متفرعة ومنتمية ومتخصصة تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي هذا بالطبع بالإضافة إلى الأمانة العامة للمنظمة والتي تتخذ من جدة مقرا لها. والأجهزة المتفرعة هي صندوق التضامن الإسلامي ووقفه، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة، أما من الأجهزة المنتمية التي تتخذ من المملكة العربية السعودية مقرا لها هي منظمة العواصم والمدن الإسلامية في مكة المكرمة، والاتحاد الرياضي لألعاب التضامن الإسلامي في العاصمة الرياض، والاتحاد الإسلامي لمالكي البواخر، والاتحاد العالمي للكشاف المسلم، وكلاهما في جدة.
والأجهزة المتخصصة فتتمثل في البنك الإسلامي للتنمية، واتحاد وكالات الأنباء الإسلامية، ومنظمة إذاعات الدول الإسلامي (إسبو) وجميعها تتخذ من جدة مقرا دائما لها، بالإضافة إلى الهيئة الدائمة والمستقلة لحقوق الإنسان في جدة.