د.شريف بن محمد الأتربي
يرتبط التغيير في التعليم بالكثير من المصطلحات التي تظهر فجأة ويتبناها الكثير من التربويين وأيضًا الشركات العاملة في مجال تقنية التعليم كنوع من الترويج لمنتجاتهم، والمتابع لهذه المصطلحات نجد أنها تتنوع ما بين المهارات وما بين الاستراتيجيات أو الأساليب أو الوسائل التعليمية فسمعنا بالتعلم التعاوني والتعلم باستخدام مهارات التفكير والتعلم المبني على الخرائط المفاهيمية أو الخرائط الذهنية و... وغيرها من المصطلحات التي تسارع المؤسسات التعليمية إلى اعتمادها كسبيل وحيد لتحقيق نتاج التعلم المرجو تحقيقه.
ولعل من أحدث هذه المصطلحات تداولا هو مصطلح التعلم لتنمية مهارات القرن 21 حيث تم تحديد مجموعة من المهارات التي يرى الكثيرون أنها شديدة الأهمية لتأهيل طالب اليوم قائد الغد.
ومن خلال استعراض هذه المهارات نجد أنها قد صفت في ثلاث مجموعات رئيسة تضم كل منها مجموعة من المهارات هي:
* مهارات التعلم والابتكار التي تتكون من: مهارات الإبداع والابتكار، ومهارات التفكير الناقد وحل المشكلات ومهارات الاتصال والتعاون.
* مهارات المعلومات ووسائل الإعلام والتكنولوجيا وتتكون من: الثقافة المعلوماتية، والثقافة الإعلامية، والثقافة التكنولوجية.
* المهارات الحياتية والمهنية وتتكون من: المرونة، التكيف، المبادرة والتوجيه الذاتي، والمهارات الاجتماعية، والإنتاجية والمحاسبية، والقيادة والمسؤولية.
ولعلي أتناول في هذا المقال بعض هذه المهارات حيث لا يتسع المجال لكلها، فإن جل هذه المهارات هي صفات وصف بها الله تعالى المؤمنين وأوضحها النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من المواقف سواء بالشرح المباشر أو بالاستعراض لها من خلال أحاديثه مع الصحابة رضوان الله عليهم.
إن أغلب هذه المهارات إن لم يكن كلها قد حثنا الله تعالى عليها في القرآن الكريم وأوضحها لنا نبينا الكريم في سنته النبوية المطهرة، فقد حدد الله تعالى في القرآن الكريم لبني آدم مسؤوليتَهم إزاء أنفسهم وإزاء الآخرين؛ من خلال الحث على ضرورة أن إدرك الذات، وكيفية النشأة، وما هو دوره في هذا العالم، وإلى ماذا سيكون مآله؛ فإدراكُه لذاته وللغاية من وجوده يجعله يحيا حياتَه كما يريد اللهُ -تعالى- له فيها، ويتعامل مع الآخرين بشكل منظمٍ، ويتفاعل مع ما يحيط به بطريقةٍ إيجابية.
كذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان سبقًا في تجهيز المسلمين في التكيف مع الغد -إحدى مهارات القرن 21 - من خلال رحلة الهجرة والاستقرار في المدينة المنورة وهي بيئة تختلف اختلافًا كليًّا عن بيئة مكة المكرمة في كل شيء وكيف استطاع صلى الله عليه وسلم بناء مجتمع إسلامي متكامل في المدينة المنورة بُني على أسس وقواعد تستمد منها الدول التشريعات والنظم التي تحكم المجتمعات المتقدمة.
ومهارة الاتصال بالآخر من المهارات التي حرص الدين الإسلامي على تنميتها في نفوس المسلمين فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}، وقد حدد الله تعالى في هذه الآية الكريمة أحد أسباب تعدد الأجناس والأعراق والشعوب وهو التعارف أي التواصل.
وحين اختار النبي صلى الله عليه وسلم الرسل لإرسالهم كان كل رسول منهم يتقن التواصل مع من أرسل لهم فلكل منهم معطيات تؤهلهم لهذه المهمة البالغة الأهمية، حيث أداها كلاًّ منهم خير تأدية، ولعل أهم هذه الصفات التي أحدثت لهم الفارق في نقل الرسالة وتحقيق التواصل هو معرفة المبعوث للغة القوم المبعوث إليهم.
ومن المهارات أيضا مهارة التفكير الإبداعي والقدرة على حل المشكلات بطريقة مختلفة والناظر في آيات القرآن الكريم نظرة المتمعن والمفكر سيجد أن هناك آيات كثيرة جدًا تشير إلى التفكير الإبداعي ومهاراته من الطلاقة والمرونة والأصالة، وكذلك وردت هذه المهارة في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة. ولعل قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام خير مثال لمهارة التفكير الإبداعي فالمتدبر لهذه القصة يرى كيف وصل الخليل إبراهيم على قمة الإيمان بوجود الله الواحد الأحد من خلال التفكير. قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} الأنعام.
أما مهارات المعرفة؛ فإن العلم هو أحد مقومات الحياة وضرورة من ضرورياتها وليس ترفًا، وهو أساس تطور المجتمع والباعث على إنتاج وسائل تساعد الإنسان على مواكبة عصره.
والعلم قسمين: علم التاريخي، وهو العلم والثقافة التي يستمدها الشخص ويتناقلها عبر الأجيال، وقد دعانا الله تعالى إلى حفظ هذا العلم حين أقسم سبحانه وتعالى بالكتابة، آلتها وفِعلها، فقال: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} القلم، وهو -سبحانه- لا يُقسِم إلا بعظيم. والله -تعالى- هو أولُ مَن كتب، وأول ما خلَق خلَق القلم لكَتْبِ كل شيء؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتُب، قال: رب، وماذا أكتب قال: اكتُبْ مقاديرَ كل شيء حتى تقومَ الساعة)) رواه أبو داود وصححه الألباني.
أما العلم المعاصر، فهو العلم الحديث والضروري لبلوغ غاية هذه الحياة، ولمعرفة مدى تطوراتها، ومسايرة العالم لكي يستطيع الإنسان العيش فيه، وقد أمرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالأخذ بالعلم والعلماء من بعده اهتموا بالعلم، وطلبوه، وجعلوه من أولويات حياتهم بعد الفريضة؛ فالشافعي -رحمه الله تعالى- قال: «ليس شيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم»، كما نبه رسولنا الكريم على أهمية العلم، وأن ضياعه يعنى ضياع الأمم، وجعله من علامات الساعة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل))، وفي رواية: ((يقل العلم، ويكثر الجهل، ويُشرب الخمر، ويظهر الزنا)).
ولعل من أبرز المهارات والتي أختتم بها مقالي هذا: مهارة حل المشكلات، فالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وما فيهما من توجيهات كريمة لا تخلو ألبتة من الإشارة بشكل مباشر، أو غير مباشر إلى أهمية البحث في الأسباب الرئيسة للمشكلة للعمل على حلها من أجل التطوير، والتغيير، والرقي بالأمة.
إن مهارات القرن 21 وما يدور في فلكها من مهارات يحبذ المختصون تنميتها لدى طلاب اليوم قادة الغد هي صفات أصيلة لأي مسلم لكن علينا فقط أن نجهز مناهجنا لتبرز هذه المهارات ولا نكتفي فقط باستعراضها من خلال تفسير القرآن أو شرح السنة.