سحر الهنيدي
أثناء دراستي للماجستير إدارة الأعمال كنت متحمسة جداً لدخول عالم قيادة المشاريع وإتقان لغة المال والأعمال باحترافية. طرأ حدث لم يكن في الحسبان لكن كان له أثر إيجابي في تغيير مسار مستقبلي وفتح آفاق عالية لم تخطر يومًا في بالي. تعرضت لوعكة صحية أثناء تحضير بحث مادة إدارة المشاريع وحصلت على درجة رسوب (F) للبحث الذي قدمته. أنا اليوم وبتوفيق من ربي -خالقي ومصدر قوتي- قيادية متميزة في إدارة المشاريع ورصد المخاطر لشركات عالمية قوية ولهذا التفوق منهجية في حياتي.
الإخفاق هو إشارة من رب السماء لتغيير مسارك في الحياة، فلا تجزع ولا تحزن أثناء السقوط وأسمح للمشاعر السلبية من غضب وألم بزيارة قصيرة ثم تحرر منها ساعياً لتحقيق غايتك. والسؤال الآن، ما مفاتيح التميز في الحياة؟
تعرّف أولاً على ذاتك الحقيقة: من أنا؟ وماذا أريد؟ أسئلة مصيرية ومصدر أجوبتها في داخلك. بعد رحلة بحث طويلة ما بين صفحات الكتب، وقاعات الدراسة، والتدريب والعمل لسنوات مع حضارات، وثقافات مختلفة، ورحلات سفر عديدة للعمل والدراسة حول العالم، تعرّفت على ذاتي وأيقنت ماذا أريد حقًا. فأنا لا أسعى فقط للتميز وأن أحدث تغييرًا إيجابيًا في حياة الآخرين وأن أعمل بشغف لازدهار موطني الغالي. ما أريده حقًا هو تحقيق أعلى وأسمى معنى لكوني إنسانًا في هذه الحياة كما يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر».
لتكن صاحب رؤية لحياتك، وضع أهدافًا عالية ومحددة نابعة من شغفك. لا بأس حتى لو لم تكن الخطوات واضحة في البداية. تصور بلوغ الهدف فهذا الخيال سيزيد من ثقتك وعزيمتك ويقوي إرادتك. يقول محمد علي كلاي «الأبطال لا يصنعون في صالات التدريب، الأبطال يصنعون من أشياء عميقة في داخلهم وهي الإرادة والحلم والرؤية»
اتصال روحاني دائم بالله، ليكن قلبك متعلقًا بالله والاستعانة به، سواء بممارسة الامتنان والدعاء، والاستخارة، والنية النقية. اختار نبي الله سليمان (الوهاب) لقوة وعظمة هذا الاسم. ارفع سقف ابتهالاتك عالياً فأنت تدعو {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}.
لا يمكن أن تحقق النجاح بدون العمل الدؤوب مع الاستمرار في التدريب والتطوير لصقل مهارات جديدة، والمرونة للعمل في أدوار مختلفة. تسلم قيادة حياتك وكن صياداً ماهراً في اقتناص الفرص والعمل بذكاء عالٍ وتفكير إبداعي مع التركيز على النتائج النهائية. سماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب في العصور الوسطى، بدأ نبوغ ابن سيناء منذ صغره، إذ يحكى أنه قام بعلاج السلطان بن منصور الساماني وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة وكانت هذه الفرصة الذهبية التي سمحت لابن سيناء بالالتحاق ببلاط السلطان ووضعت مكتبته الخاصة تحت تصرفه.
حوّل أخطاءك إلى فرص للتغيير وتجربة طريق آخر. «الفشل هو الفرصة التي تتيح لك البدء من جديد وبذكاء أعلى» هنري فورد على الرغم من إعلان إفلاسه عدة مرات، كان له الفضل في إنشاء أول مصنع لإنتاج السيارات وانتشارها في جميع أنحاء العالم ذلك الإنجاز الذي خلد اسم فورد.
كن صاحب امتياز بشخصيتك وقيمك السامية ذات الجذور العميقة من الصدق، والعدل، والسلام. أظهر الامتياز في حسن السلوك الراقي وأتقن فن الحوار والتفاوض فالكلام له مفعول السحر. أوبرا وينفري إحدى أقوى نساء العالم تأثيرًا صنعت لنفسها مقياسًا فريدًا من التميز والنجاح وهي اليوم قدوة سامية للعصامية والأخلاق الكريمة.
لا يمكنك الوصول لشعورِ (الإنسانية الكاملة) بِدون مساعدة الآخرين، فمن الأهداف السامية لوجودك في هذه الحياة هي مد يد الْعون للآخرِ.
أطلق العنان لنبع من العطاء في أعماقك فمساعدة الآخرين بنية خالصة هو نبع الخير الذي لا ينضب إنما يتجدد أكثر كلما ساعدناهم. أعلم أن مهاراتك ستزداد بنسبة 95 في المائة مما تعلمه للآخرين.
تقديم الامتنان والتقدير لكل من آمن بك، وساندك، وعلمك، ودربك.
ولا تنسَ الشكر لكل من انتقدك وحاربك، فهؤلاء يساعدونك على اكتشاف ذاتك أكثر وتقوية ذكائك العاطفي للتعرف على أنماط الشخصِيات وإتقان مهارات فن التواصل. جاك ما الملياردير الصيني والمؤسس والمالك لمجموعة علي بابا لم يتقن الحساب وكان بليدًا في المدرسة، ولكنه صاحب دهاء عاطفي عالٍ في قيادة فريق وتسخير العقول العبقرية لتحقيق رؤيته.
حلق مع الصقور، وأصحاب الطموح والمتميزين ذوي العزيمة والإصرار، وتجنب المحبطين الكسالى. قال عليه الصلاة والسلام: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» انتق بعناية فائقة من تتخذه صديقًا واضعًا معايير التميز والأخلاق السامية أهمها.
{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة} (30) سورة البقرة
خلقك الله لعبادته ولإعمار الأرض، وقد زودك بإمكانات ومواهب عالية وسخر لك ما في السموات والأرض لتحقيق إنجاز هائل في هذه الحياة. لهذا الإنجاز ثمن غالٍ من السعي الدؤوب وشغف التعلم الدائم. وأَثناء رحلتك ساعد الآخرين فهو مفتاح لتدفق كنوز الله، ومارس الامتنان لتسمو روحك بالود. لَا تجزع عند وقوعٍ الخطأ، وخذه مدرسة وتابع بذكاء أعلى، متحليًا بالأخلاق الحميدة، فلا قيمة للتميز مع الكبر، وكن إِنسانًا كما أرادك الله أن تكون.