د. حمزة السالم
في عام 1944م، اجتمع المنتصرون في الحرب وحلفاءهم، في منتجع برتن وود الأمريكي، ليضعوا حلاً لإيجاد عملة تبادل دولية لإعادة التجارة الدولية، بعد أن تعطل التبادل الدولي بسبب غياب الثقة عن العملات الورقية المرتبطة بالذهب.
ورغم أن القمة جمعت 44 دولة، إلا أن معركة معاهدة برتن وود السياسية والاقتصادية، انحصرت بين رجلين اثنين. هما اللورد البريطاني كينز الاقتصادي السياسي الدبلوماسي الشهير عالمياً الذي كان يقول «لا أحد يضع الجنيه البريطاني في الزاوية»، وبين الأمريكي هاري وايت المغمور، والذي كان يواجه مصاعب داخلية من الوزارة والوزير ومن المجموعة الأمريكية المشاركة ومن الكونجرس. كما كان يواجه مصاعب خارجية دولية، حيث كان غير مرغوب به ولا يكترث بعلمه وقوله أحد على الساحة الدولية. فقد كان هاري غير لبق سياسياً، شديد اللهجة حاد العبارة لا يبذل أي جهد لكسب القلوب، ولا يعير اهتماماً لأساليب المحادثات في العالم المتحضر. وهاري وايت، رجل مغمور - من أب يهودي فقير مهاجر - بدأ حياته متنقلاً بين أعمال بسيطة متنوعة ولم يستطع دخول الجامعة، ثم انخرط في الحرب كضابط عسكري، ثم تحول في الثلاثينات من عمره إلى دراسة الاقتصاد وحصل على الدكتوراه من جامعة هارفرد، ثم عمل أربع سنوات كأستاذ في عدد من الجامعات الأمريكية المغمورة، بعد أن رفضت تعيينه الجامعات المرموقة.
وقد راهن البريطانيون على ممثلهم «جون كينز»، أعظم اقتصادي وسياسي والأكثر خبرة وتجربة، في ذلك الوقت. فمما نُقل من أحاديث اللوردات في مجالسهم الخاصة قولهم: «إن كان عند الأمريكان أكياس المال فعندنا المخ والعلم والخبرة، ويقصدون به كينز»، (وكينز هو الذي تنسب إليه المدرسة الكنزية اليوم). وقد كان كينز نجم القمة والمتحدث الدائم فيها، ونسبت إليه معاهدة برتن وود، وما نتج عنها من نظام الربط العالمي بالدولار والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. بينما الحقيقة التي أُخفيت وظهرت مؤخرا، أن نموذج كينز المقترح لم يُنفذ منه شيء، وأن الربط بالدولار والبنك والصندوق الدولي لم يأت كينز منه بأي شيء، بل لم يدر كينز عنها إلا بعد أيام من رجوعه لبريطانيا بعد قراءة الصحف وسماع ورؤية الإعلام الذي ضج باسمه تشريفاً وتكريماً له كمهندس هذه المعاهدة.
فقد قُدمت المعاهدة له -دون أن يقرأها- للتصديق عليها ومباركتها في جلسة التصديق الختامية بعد تغييبه عن جلسات طبخة الاستغفال، باشتغاله في نموذجه المُقترح المنسي، وبسبب مرضه أو إمراضه.
فقد كان كينز ضحية طبخة استغفال قد تم طبخها من ألفها إلى يائها على يد الأمريكي اليهودي هاري وايت الذي استخدم فنون تمرير الاتفاقيات والعقود باستغفال المفاوضين. فقد استغفل ممثل الوفد الأمريكي المغمور هاري وايت عظماء السياسة والاقتصاد لأربعة وأربعين وفداً دولياً، ليصادقوا على ما لم يقرؤوا وما لا يعرفوا.