د. أحمد الفراج
تحدثت في المقال الماضي عن موقف أركان الحزب الديمقراطي من إيران، وضربت مثلا بمرشح الرئاسة الاشتراكي، برني ساندرز، الذي يرى ما يحدث في المملكة، لكنه يصاب بالعمى، فلا يرى المشنوقين فوق الرافعات في مدن إيران، ولا القمع المتوحش، الذي تمارسه حكومة طهران في الأحواز، وغيرها من المحافظات، وهو أصم تماما، فلا يسمع أصوات النساء المضطهدات، ولا ريب أنه كان تلميذًا نجيبًا في مدرسة باراك أوباما، وهي المدرسة، التي ترى أن العرب قوم متوحشون وبلا حضارة، في مقابل الحضارة الفارسية، وأوباما عبث بالحزب الديمقراطي، حزب الرؤساء، جون كينيدي وجيمي كارتر وبيل كلينتون، فتحوّل الحزب إلى منظمة يسارية، حسب ما صرح به الديمقراطيون المعتدلون، الذين يشتكون من هذا الوضع البائس.
تتوافق مواقف الديمقراطيين في أمريكا مع مواقف إعلام اليسار الغربي، الذي يتبارى المعلقون والكتّاب من خلاله للدفاع عن الاتفاق النووي، ويصبّون جام غضبهم على الرئيس ترمب، الذي انسحب من الاتفاق كما وعد ناخبيه، وكأن سلوك ملالي طهران تغيّر بعد الاتفاق، فمن يستمع لفريد زكريا وجيم اكوستا واندرسون كوبر وكريس هيز ونظرائهم في النيويورك تايمز والواشنطن بوست والسي إن إن والإم إس إن بي سي، يظن أن ملالي طهران استخدموا الأموال التي حصلوا عليها من إدارة باراك أوباما لتطوير البنى التحتية في مدن إيران، وبناء المدارس والجامعات والمستشفيات ومراكز التدريب، وتحسين الظروف المعيشية لشعب إيران، كما تظن لوهلة، أن حكام طهران بدؤوا مشاريع السلام مع جيرانهم، وجهزّوا وفودًا ثقافية لزيارة دول الجوار، كبادرة حسن ظن، لبدء مرحلة سلام ووئام جديدة.
لو حدث كل ذلك بعد إنجاز الاتفاق النووي، لوجدنا عذرًا للديمقراطيين والإعلام الذي يدعم مواقفهم، ولكن ما حدث كان معاكسًا تمامًا، فطهران استغلت سياسة حمائم واشنطن، أوباما وكيري ورايس، التي خفّفت العقوبات، وسلمّت المليارات لإيران، بما في ذلك الكاش الذي حملته الطائرات، فاستخدمت الأموال لدعم مشروعها التوسعي، في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والإنفاق على برامجها العسكرية، التي من ضمنها مشروع الصواريخ الباليستية، كما زاد كرمها مع التنظيمات المارقة في كل مكان، هذا عدا عن توسعها في آسيا وإفريقيا، الذي لا يتحدث عنه أحد، فأوباما حقق الإنجاز، الذي أعتقد أنه سيدخل به التاريخ، وكان واثقًا من أن هيلاري كلينتون ستخلفه، وستواصل ذات سياساته مع إيران، ولم يكن يتوقع أبدًا أن إنجازه سيموت في مهده، والخلاصة هي أن الأمر يبدو كما لو أن خصوم ترمب يتجاهلون خطر إيران، في سبيل رفع وتيرة خصومتهم ضده، وهو أمر لم أشهد له مثيلا في ساحة أمريكا السياسية، منذ أن بدأت أتابع وأرصد هذا الحراك، قبل سنوات طويلة، فلننتظر نهاية هذا المشهد الفنتازي!