فضل بن سعد البوعينين
تحرص مؤسسة النقد العربي السعودي على مد جسور التواصل مع الكتّاب وقادة الرأي، والمختصين في الصناعة المصرفية والتأمين على وجه الخصوص. وهي ثقافة أسهم محافظها، معالي الدكتور أحمد الخليفي، في تعزيزها، امتدادًا للقاءات الربعية التي ما زالت ساما تعقدها كجزء من أنشطتها البحثية والمعرفية الرصينة.
سنَّت مؤسسة النقد سُنة حسنة باعتمادها لقاء نصف سنوي مع كتّاب وقادة الرأي، يحضره معالي المحافظ، ونائبه، ومسؤولو ساما لمناقشة التطورات النقدية والمالية والاقتصادية، وتعزيز الحوار وتبادل وجهات النظر.
تميز الانعقاد الثاني للقاء بطرح الكثير من القضايا المهمة، ووجهات النظر، والتوصيات. وكالعادة، كانت المصارف محور النقاش، غير أن تلخيص الدكتور الخليفي أبرز التطورات الاقتصادية، المحلية والدولية، والمؤشرات الاقتصادية والمالية، وتأكيده بالأرقام سلامة الوضع المالي والنقدي للمملكة، وتناوله ملفات شركات التمويل، البيع على الخارطة، التعثر وإعادة الجدولة الإلزامية، أعطى رؤية بانورامية شاملة، وعزز التفاؤل والثقة بالقطاع المالي، واستقراره، والإصلاحات المنفذة، وقدرته على تحقيق الأهداف التنموية.
لم يخلُ اللقاء من نقد «ساما» الذاتي لمخرجاتها مع طرح الأسباب والحلول المزمع تنفيذها، والربط التكاملي بين المعوقات والحلول، وعلاقتها بالجهات الأخرى.
ملف التأمين كان من بين ملفات النقاش المهمة، وإن كنتُ أؤمن بأن تركة قطاع التأمين الثقيلة يجب أن تُسأل عنها جهات أخرى، تسببت في ولادته المشوهة التي تستوجب الكثير من عمليات الإصلاح العميقة. إشراف «ساما» على التأمين لا يعني مسؤوليتها عن تشوهاته الأصيلة، وإن كانت مطالبة وفق النظام بإعادة هيكلته وإصلاحه على أسس متينة أسوة بالقطاع المصرفي. لا يمكن لقطاع التأمين بوضعه الحالي أن يدعم أهداف رؤية 2030، أو أن يوفر المنتجات التأمينية التي تتطلبها المرحلة القادمة، لضعف رسملة شركاته، وندرة مختصي الصناعة في مجالس إداراتها، وغياب الحافز التطويري لديهم، إضافة إلى ضعف الكفاءات البشرية والمعوقات التشريعية والتنظيمية التي باتت تثقل كاهل القطاع، وتزيد التزاماته المالية، وتضعف ربحيته.
ومن المعوقات عدم تطبيق إلزامية التأمين، وتدخلات مجلس الضمان الصحي، وتحميله بوليصة التأمين الطبي ما لا تحتمل من المنافع الطارئة! دون النظر لانعكاساتها المالية على الشركات. أعتقد أن تجاذب القطاع بين مجلس الضمان الصحي و»ساما» يخلق مشكلات مالية غير منظورة، ويتسبب في تردي حال القطاع؛ وهو ما يستوجب النظر في وقف التداخلات، وتعزيز مرجعية ساما، وشراكة مجلس الضمان التنسيقية التشاورية وفق نظام محدد الأركان.
قد يكون المجلس التنسيقي المشترك من الحلول الناجعة والمهمة لضمان سلامة القرارات والمخرجات التنظيمية.
ويعتبر الاحتيال بأنواعه من أهم معوقات قطاع التأمين على المركبات والممتلكات والتأمين الصحي، وهو ملف يستوجب المعالجة الفورية من الحكومة، وعدم التهاون فيه؛ لمخالفته الشرعية والنظامية أولاً، ولانعكاساته السلبية على شركات التأمين.
إصلاح قطاع التأمين يستوجب دعم «ساما» في رؤيتها الإصلاحية المبنية على الدراسات، والتجارب والممارسات العالمية، وتسريع إصدار التشريعات الخاصة بمكافحة الاحتيال وتجريمه، وآليات التقاضي ومرجعيتها العدلية المتخصصة.