د. فوزية البكر
بدأت حادثة الحرم المكي بمهاجمة جهيمان العتيبي وجماعته المسجد الحرام فجر يوم 1 محرم 1440 والذي يحمل دلالة رأس قرن هجري جديد وهو ما كان يعني لدي (الجماعة السنية المحتسبة كما كانوا يسمون أنفسهم) البشرى بقدوم مجددين للدين كل مائة عام يملؤون الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.. مستندين في ذلك إلى الحديث الذي رواه أبو داوود في سننه أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.
وتعتقد هذه الجماعة بقدوم المهدي الذي ينتسب إلى آل البيت واسمه محمد المهدي والذي يجب أن يبايع داخل الحرم المكي، فكان ما كان من تجمع تحت قيادة المهووس جهيمان العتيبي واقتحام أطهر بقعة على هذه الأرض وما تبعها من سفك دماء في أرض حرم الله فيها ذلك، حيث أودت الحادثة الشنيعة إلى قتل المئات سواء من المصلين أو الجنود المدافعين أو من أولئك المغرر بهم ممن أتبعوا هذه الحركة الساذجة الخطيرة لاحتلال الحرم والحصول على البيعة للمهدي واسمه (محمد بن عبدالله القحطاني) (والذي تزوج جهيمان شقيقته الكبرى).
بقدر ما كان الهجوم مباغتاً ومفاجئاً للجميع إلا أن الحكمة كانت تتطلب الصبر والتريث حفظاً لدماء عشرات الآلاف من المصلين الذين كانوا متواجدين داخل الحرم كما تطلب الأمر تضافر الجهود المحلية لكافة القطاعات لتحرير أطهر بقعة على وجه هذه الأرض، حيث تم ذلك بعد أسبوعين وتحديداً يوم الثلاثاء 14 محرم 1400هـ.
يحمد لمسلسل العاصوف الشهير أنه أشعل النقاش داخل كل منزل سعودي حول مَن هو جهيمان وماذا كان يريد؟.. ويحمد له أن تمكن من استعراض أحداث مفصلية في تاريخ أمتنا ليبلغ رسالته لملايين الشباب ممن لم يتح لهم معرفة أي شيء عن هذه الحادثة أذ تم إغفالها تماماً من كتب التاريخ المدرسية حتى أن الكثير من التغريدات على موقع توتير تشير إلى ذلك مثل:
جهيمان ما عرفته إلا من مسلسل العاصوف القصة كلها ما عرفتها إلا اليوم ليش ما عطونا إياها بالمناهج الدراسية
05:31, 21 May 2019
ينكم زمان ما علمتونا في المناهج المدرسية قصة جهيمان ولا حتى الإعلام ذكرها.. لما ناصر ذكرها بالمسلسل جيتو اطلعو الأخطاء وكل واحد يتفلسف لله درك يالقصبي.
02:52, 21 May 2019
من هنا جاءت أهمية ورمزية تضمين المناهج الدراسية الأحداث المفصلية في حياة هذه الأمة وفي حياة الشعوب الأخرى.
دراسة التاريخ هي دراسة لقصة صراع الإنسان على هذه الأرض وما يحمله هذا الصراع من قصص مشوقة يتوق الطلاب لسماعها والتعلم منها.
تعلمنا دراسة التاريخ وأحداثه ضرورة البحث عن الحقيقة وفصلها عن المغالطات التي تمتلئ بها كتب التاريخ خاصة وطلابنا في العصر الحاضر لديهم القدرة على الوصول إلى مصادر لا نهائية للمعلومات وما عليهم إلا فرزها والتبصر فيها لمعرفة الحقيقة التاريخية وفصلها عن ما قد يلحقها من مغالطات والتعلم عن طريق ذلك بتعدد أوجه الحقائق التاريخية وارتباطها بظروفها السياسية التي ظهرت فيها وبتحزبات ومصالح من كتب وفي أي عهد.
تساعدنا دراسة التاريخ على فهم كيف تشكل الحاضر وما أهم العوامل التي أثرت فيه ومن هنا يمكن لطلابنا أن يتلمسوا ويفهموا بعض مسببات التطرف التي خلقت إرهاب العصر الحاضر الذي يحاول ملء حياتنا بالفوضى وحين نعرف ذلك سنتشبث بمكتسبات ما نعيشه ونحافظ عليها.
قراءة التاريخ ومعرفة العوامل والأشخاص الذين ساهموا في صنع التغيير تولد النماذج البطولية في أذهان التلاميذ وتربي عندهم القدرة على التعاطف والتقدير لمن صنع فروقاً في تاريخ الإنسانية عامة أو الأمة الوطنية نفسها. انظر مثلاً دور الجندي البطل داخل الحرم وكيف تمكن بمفرده من إرباك الجماعة داخل المسجد والتواصل مع السلطات في الخارج لإعطائهم معلومات كانت في غاية الأهمية: ألا يعد هذا الرجل بطلاً قومياً يتطلع له شباب اليوم ليبذلوا من أجل وطنهم الغالي والرخيص؟.
فلماذا أغفلت حادثة بهذا الحجم من كتب التاريخ التي تدرس في مدارسنا..؟.
قد تعود بعض الأسباب إلى سيطرة التيارات الدينية المتطرفة أيام الصحوة على المناهج الدراسية تحديداً وهم من آثر تغييب هذه الحادثة الخرقاء المخيفة حتى لا تعد أثماً يحاسبون عليه وجماعاتهم أينما كانوا أو قد تكون قراراً سياسياً مبكراً آثر التحوط وتغييب الحادثة بحكمة عدم التطرق إلى أي شيء يمس السياسة كما هي فلسفة نظامنا المدرسي منذ وجد.
من الواضح أن سياسة الصمت و(السمت) انتهت اليوم ومن الأفضل إخراج كل ذلك إلى العلن فهو مكتوب في كل مكان ولا حكمة من محاولة تجنب التبصر في ما يحدث في حياتنا من أحداث جسام.
أين كانت الأسباب فنحتاج إلى إعادة فرز لمناهجنا لتقديم تاريخ هذه الأمة في اتصاله بتاريخ الأمم حولنا وممن سبقتنا من الأمم والحضارات حتى يتكون لدي طلابنا رؤية شمولية لأنفسهم والعالم من حولهم بما يمكنهم من فهم أحداث الحاضر والعمل على عدم تكرار أخطاء الماضي المميتة.
حفظ الله وطننا آمناً مستقراً وعزيزاً.