رمضان جريدي العنزي
الرصاص يقتل، والبارود يقتل، وقذيفة المدفع تقتل، والسهم يقتل، وحتى السكين تقتل، لكن فعل الإشاعة الكاذبة أشنع وأفظع وأمرّ؛ إنها تجمع فعل السم والبارود والقذيفة والسهم والسكين؛ كونها زيفًا وكذبًا وتزويرًا وخداعًا، والغرض منها البلبلة والتأزيم وتشتيت الانتباه عن الحق والحقيقة.. ومطلقوها إخوان للشيطان من الرضاعة، يحاولون أن تسري الإشاعة بين الناس كما تسري النار في الهشيم، وكما يسري السم في الجسد. إن الإشاعة المغرضة تعد جريمة مركبة، عناوينها الكذب والكيد والحقد والحسد، وهي سقوط أخلاقي، وتعد خروجًا عن العمل الشريف، ولا يعمل بموجبها النبلاء، ولا يصدقها النجباء، ويزهد بها أصحاب الحكمة والبصيرة. إن مطلقو الإشاعة المليئة بالزيف والبهت والحيل لن يحصدوا في النهاية سوى المصير الأسود، والمآل المظلم، وفي النهاية سيكونون مفلسين، وخسارتهم مبينة. إن نزعة الكذب، واصطناع الحيل، لدى هؤلاء يعدان شرخًا بائنًا في ضمائرهم الواهنة، ومهما يطلقوا من إشاعات باطلة فسوف ترتد عليهم، وسيُفضحون، ومهما بلغوا من اللف والدوران والاختباء فسوف ينكشفون، ومهما راوغوا وناوروا وبدلوا الوجه واللبس واللسان والقناع فسوف يسقطون بشكل فظيع ومريع. إن مطلقي الإشاعات لديهم تقعر نفسي، وهو أبشع أنواع التقعر؛ لأنهم أصحاب فتنة، وزراع بغضاء، ومحرضون على الهدم والخراب، ولديهم نزعة بغيضة على وأد الإنسان والأوطان. لديهم تحجر وخرافات وقصص ركيكة باهتة. ما عندهم قيم ولا أعراف ولا أخلاق، ولا يعرفون جمع الكلمة، ورص الصف والتلاحم، يجيدون الفت في العضد، وتمزيق النسيج، وإحداث الثغرات، وصنع الثقوب في جدران التلاحم الوطني. وهكذا تبرز الأهمية إلى التنبيه لخطورة الإشاعة، ووجوب نبذها ولفظها والتحذير منها؛ كونها أخطر من السل والطاعون والجدري والسرطان، وأصحابها قساة قلوب، وأرواحهم سوداء، وعازفون تمامًا عن الإسهام في صنع السلام والمحبة والوئام.. مرضى، يحاولون نشر أمراضهم وأوبئتهم بين الناس. إنهم يبادرون في هذا الاتجاه، ويعملون بكل صلافة، يطلقون الأخبار، ويفبركون القصص من هواهم، ويخوضون غمار الكذب بلا هوادة ولا حياء.. إنهم مجرد جوقات، باعوا ضمائرهم بأثمان بخسة.. ومهما برعوا في تنميق الكلام، وتلميع الصورة، فلن يكسبوا الاهتمام؛ لأنهم جانبوا الصواب. إن الذين تنكروا لمجتمعاتهم وأوطانهم مجرد نفعيين، أصحاب مصالح ضيقة، ومكاسب ذاتية. إن محاولاتهم البئسة في التكسير والتفتيت لن تجدي نفعًا، فضلاً عن أنهم متمردون على القيم والموازين. هذه الزمر التي تجيد بث الإشاعات ستفشل، وسيصيبها النكوص المريع؛ لأن الذين جندوا أنفسهم للمهمات القذرة لن ينجحوا أبدًا.. ومن يُطِع إبليس والهوى فلن يفلح مطلقًا؛ لأن طاعتهم غير حميدة، وسعيهم غير مشكور، وأعمالهم فاسدة.