م. خالد إبراهيم الحجي
إنَّ أول من قدَّم نظرية الجزرة والعصا للتشجيع والتحفيز هو جيرمي بنثام في أوائل الثورة الصناعية عام 1800م تقريباً، كما تم استخدامه في صحيفة إسترالية في تعليقها على تحفيز الإنتاجية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد ذلك تم تسجيل التعبير وتوثيقه في ملحق قاموس أكسفورد في 11 ديسمبر عام 1948م. وهي تعني الطريقة التي تجمع بين عرض الثواب للحث على السلوك الصالح وتشجيع الفعل الجيد، وعرض العقاب لتثبيط السلوك المستهجن وتجنب الفعل السيء. وقد استمدها جيرمي من القصة القديمة التي تقول إن أفضل طريقة لتحريك البغل الذي يجر عربة هي أن تضع أمامه جزرة تتدلى بعيدة عن متناوله، وإذا لم يتحرك يضربه سائق العربة بالعصا من الخلف؛ فيتحرك إلى الأمام ويجر العربة معه طمعاً في الوصول إلى الجزرة لأكلها، ومن جهة أخرى ليهرب من الألم الواقع عليه من ضرب العصا، وبهذه الطريقة تعمل نظرية التحفيز والامتثال لتحقيق هدفين الأول: هو الحصول على المنفعة والثواب والمكافأة التي تمثلها الجزرة، والهدف الثاني: تجنب الخوف والتهديد والعقاب والعنف والألم الذي تمثله العصا.. والبعض الآخر يعطي صورة أخرى تختلف عن الصورة الأولى، وهي أن السائق الذي يقود العربة التي يجرها البغل يمسك عصاً طويلةً تمتد إلى الأمام من فوق ظهر البغل مربوط بطرفها جزرة تتدلى على مسافة قريبة أمام رأس البغل بحيث لا يستطيع الوصول إليها، وتجعله يتحرك إلى الأمام باستمرار ليأكل الجزرة التي يظن أنه سيصل إليها فيجر العربة إلى الأمام. والمعنى المستمد من هذه الصورة أن الجزرة تحفِّز على التقدم نحو معايير معينة، وتدفع للوصول إلى مستويات محددة.
ومن الأمثلة على سياسة الجزرة والعصا التالية:
(1): يستخدم الاتحاد الأسباني سياسة الجزرة والعصا في دوري كرة القدم للدرجة الأولى المعروف باسم (لاليجا) الذي يضم (20) فريقًا، تتنافس مع بعضها البعض، والفريق الفائز ببطولة الدوري، إضافة إلى الفرق الثلاثة التي تليه، تكافؤ بتأهيلها واشتراكها في مسابقة دوري أبطال قارة أوروبا الذي يضم (32) فريقاً، وهذه المكافأة تمثل (الجزرة). أما الفرق الثلاثة التي تأتي في آخر قائمة دوري اللاليجا فتعاقب بانتقالها أوتوماتيكياً في نهاية الموسم إلى دوري الدرجة الثانية، وهذا العقاب يمثل (العصا). وكذلك يُستخدم مبدأ المكافأة بالجزرة مرة أخرى في دوري الدرجة الثانية، الذي يتم فيه تصعيد الفرق الثلاثة الفائزة بالمراكز الأول والثاني والثالث فيه إلى دوري الدرجة الأولى اللاليجا.
(2): تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية سياسة العصا والجزرة مع كوريا الشمالية لدفعها لنزع السلاح النووي؛ فوعدتها بالجزرة، وهي رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي تشمل الطعام والطاقة والتجارة تدريجياً، مقابل إغلاق مصانع الأسلحة النووية كلياً، وفي المقابل استمرار استخدام قوة العصا إذا لم تتخلَ عن برامجها النووية، وذلك بزيادة العقوبات الاقتصادية، وتوسيع نطاق الحصار الاقتصادي، أو اللجوء إلى الضربة العسكرية.
(3): استخدم الرئيس الروسي ستالين سياسة الجزرة والعصا بتوظيف البروبجاندا السوفيتية التي تحدثت عن الجزرة التي تمثلت في الوعود بإقامة المشاريع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، لحث دول أوروبا الشرقية الواقعة في مجال التأثير السوفيتي على تطبيق معايير الحزب الشيوعي والثبات عليها، والعصا تمثلت في التهديد بالغزو العسكري للدول الرافضة للسيطرة الشيوعية، كما حدث مع دولة تشيكوسلفاكيا في سبتمبر عام 1968م.
(4): استخدم البريطانيون أسلوب الجزرة والعصا أثناء استعمارهم للهند، فوعدوا الهنود المعتدلين في حركة سواديش من إقليم البنجال بإشراكهم في مبدأ الإدارة المزدوجة، وتسليم القطاعات الحكومية الخدمية لهم، مثل: الزراعة والمجالس المحلية والصحة والتعليم والأشغال العامة، على أن يحتفظ البريطانيون بالقطاعات المهمة والحساسة، وأن تبقى في أيديهم، مثل: المالية والضرائب والحفاظ على القانون والنظام؛ فازدادت شعبية المؤيدين لهم، وفي المقابل استخدموا عصا القوة والبطش في قمع القوميين الوطنيين الخارجين عليهم.
الخلاصة:
إن الترغيب يؤدي إلى الرجاء في نيل الثواب، والترهيب يؤدي إلى الخوف من وقوع العقاب. وهما من أنجح الأساليب في تغيير السلوكيات إلى الأفضل.