عماد المديفر
تحدثت في المقالة السابقة عن نظرية «الامتياز» في العلاقات العامة الدولية وحيثيات بنائها، التي تعد طفرة علمية، ونقلة نوعية، في مجال بناء النظرية في العلاقات العامة، وكيف أنها جاءت كتطورٍ، ونتيجة للتراكم البحثي والمعرفي عبر سلسلة من الدراسات التي قام بها «جيمس قرونيق» ورفاقه وتلاميذه على مدى ثلاثين عاماً، وأنها - أي نظرية «الامتياز»- تطوير للنموذج الرابع من نماذج «قرونيق» المعيارية لتطبيقات العلاقات العامة، وأعطيت بعض التفصيل حول مبادئها العامة، الصالحة للتفعيل في كل زمان ومكان، وتطبيقاتها الخاصة والمحددة بحسب الزمان والمكان والظروف المحيطة. بيد أن ثورة المعلومات وتقنية الاتصالات قد بدلت كثيراً من الطبيعة الاتصالية، لتصبح «التفاعلية» و»الآنية» وتدفق المعلومات لدرجة الإغراق، السمة البارزة، ولتدخل هذه المتغيرات لتعزز من أهمية ومكانة مبدأ «التفاعل» المتوازن في العلاقات العامة، حيث يرى باحث العلاقات العامة «روبيرت ويكفيلد» بأنه وفي ظل التطور المتسارع في تكنلوجيا الاتصال والإنترنت وبالتالي التغير السريع للعالم فإن ذلك مدعاة إلى إعادة النظر في هذه النظرية ولا سيما أن الإنترنت غيرت في سياقات ممارسة العلاقات العامة بشكل دراماتيكي ملحوظ.
ففي دراسته النقدية التحليلية التي حملت عنوان «النظرية العالمية للعلاقات العامة: الإنترنت والحراك» أفرد ويكفيلد عنواناً مستقلاً حول النموذج المتوازن للاتصال في الفضاء السيبراني (Cyberspace) وهي فكرة الاتصال باتجاهين بين المنظمة وجماهيرها وهي الفكرة التي تحوز على الأهمية البالغة علمياً، وعلى مدى واسع من الانتشار، وما تزال مثار الجدل في الفترة الحالية. والنموذج المتماثل التناظري أو المتوازن المقترح هو أن «الأفراد والمنظمات والجماهير يجب أن يستخدموا الاتصال لضبط أفكارهم وسلوكهم لمصالح بعضهم البعض بدلاً من محاولة السيطرة على الآخرين كيف يفكرون ويتصرفون» وبالتالي فإن النموذج المقترح يستخدم الاتصال الثنائي على أساس من الاحترام الكامل للجماهير وآرائها وتفكيرها واهتماماتها ومقترحاتها، وهو ما أوضحه هيث Heath بأن: «العلاقات العامة نشاط لبناء العلاقة المهنية التي تضيف قيمة إلى المنظمات لأنه يزيد من استعداد الأسواق، والجماهير، والعامة لدعم بعضهم بعضًا بدلاً من أن يعارض ويواجه كل منهما مؤثرات الآخر».
وعلى الرغم من أن هذا النموذج من الاتصال المتوازن هو المعيار الأساس للعلاقات العامة الممتازة إلا أنه واجه الكثير من الانتقادات على مر السنين، حيث يرى عدد من العلماء بأنه من غير الواقعي على المنظمات القوية (وخصوصًا الكيانات الضخمة المتعددة الجنسيات) تقاسم السلطة مع الأفراد أو المجموعات الصغيرة، لكن رد على هذا التصور أيضاً علماء آخرون من بينهم مورفي Murphy 1991 ودوزير وقرونيق وقرونيق Dozier, Grunig, and Grunig (2002) الذين يرون بأن المقصود بهذا النموذج هو السعي إلى تحقيق المصالح المشتركة من خلال لعبة «الدوافع» والمفاوضات بالتناوب والاقناع. وقد جاءت الإنترنت لتعزز هذا النموذج التناظري على أساس من الشفافية والوضوح والمعاملة بالمثل والاحترام المتبادل ولا سيما أن الجماهير أصبحت تعبر عن آرائها بحرية وسهولة وتسمع صوتها عبر الحدود، وأصبح من المستحيل الآن -تقريباً- السيطرة على المعلومات وإخفاء المخالفات والإخفاقات.
إلى اللقاء.