فوزية الجار الله
لا أعلم منذ متى بدأت معي تلك العادة؟ حين أنهمك في تبديل ثيابي وإكمال زينتي استعداداً لتلبية دعوة ما حتى أجد في ذلك مجالاً مناسباً لتقليب الأفكار حول الأحداث الماضية والحاضرة، أمضيت وقتاً لابأس به وأنا في حيرة أمام حذائين، هل أرتدي كعباً عالياً ربما يرهقني السير فيه أم حذاء آخر عادياً، حسمت الأمر باختيار الحذاء ذي الكعب العالي فهو مناسب أكثر لطول عباءتي ولن يرهقني حيث سنمضي الليلة في معظمها جلوساً على المقاعد..
حين اتخذت موقعي في المقعد الخلفي شعرت بفخامة المركبة وأناقتها، عبرنا شارعين قصيرين ثم الشارع الرئيسي، سألني عن الطريق القادم.. أجبته: تبدو غريباً عن المدينة!
- نعم أنا ضيف، حفظك المولى، أنا ضيف عليكم، وصلت حديثاً من شمال الوطن.
استشعرت من عبارته ما يشبه الاعتذار والتلطف، لكنني غالباً لا أتحدث مع قائدي العربات العامة إلا للضرورة وأحياناً حسب الظروف..
رغم استعانته ببرنامج آلي عبر هاتفه الجوال إلا أنه لم يكن متأكداً تماماً أخذ يسألني عن الطريق الأفضل ما بين الفترة والأخرى،,
- الزحام شديد خاصة في ليالي الشهر الكريم..
-قال بمنتهى الثقة: نعم وأعتقد أن قيادة المرأة للسيارة ساهمت في مزيد من الزحام، ثم أضاف:
-عفواً.. هل تشاركينني الرأي في أن تمكين المرأة من قيادة السيارة جعلها مستقلة متمردة زاهدة في بيتها وأسرتها؟
-بالطبع.. لا.. قيادة السيارة سوف تزيد المرأة إحساساً بالمسؤولية، هذا بالنسبة للمرأة الواعية.
شعرت بالقلق.. أزعجني ازدحام الطريق.. قلت: آمل أن يكون هذا هو الفندق المقصود إذ إنني اكتشفت بأن هناك اسمين آخرين لفندقين مشابهين، فضلاً، سوف نتأكد من اسم القاعة عندما نصل البوابة الخارجية للفندق وإن لم تكن هي آمل أن تعيدني مرة أخرى إلى المنزل، لن أذهب إلى موقع آخر في هذا الزحام..
-حسناً، كما تشائين، عفواً هل لديك اجتماع أو شيء من هذا القبيل؟
- نعم أنا عضوة في جمعية عربية نناقش فيها مشكلات المجتمع والأسرة.
-ما شاء الله، ليتكم تناقشون سبب تمرد النساء على أزواجهن، هلا فعلتم؟
-لكل حالة ظروفها..
-زوجتي -للسنة الثالثة- تقضي الشهر الكريم لدى أهلها وتحرمني من أطفالي لمدة شهر أو أكثر...
انطلق يتحدث عن مشكلته العائلية وأنه ليس في حاجة لقيادة السيارة للحصول على المال، لكنه لجأ إلى هذا الإجراء لتزجية الوقت فهو يعاني فراغاً هائلاً، هو وحيد هنا.. يقلب همومه وحده..
ضقت ذرعاً إلى حد ما، حدثت نفسي وما شأني أنا، ليس في يدي حل لمشكلتك، لكنني استدركت، لابأس يا امرأة أنصتي فقط لا ضير في ذلك..
بلغنا البوابة الرئيسية للفندق، تأكد بنفسه من اسم القاعة المقصودة..
سألته عن الأجرة المطلوبة..
أجاب: لا.. لا والله لن تدفعي شيئاً.. أعدت طلبي، قال بإصرار ولطف وهو يعود بالسيارة إلى الوراء استعداداً للانطلاق: في أمان الله.
* قصة قصيرة.