محمد آل الشيخ
القمتان اللتان دعا إليهما في مكة المكرمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ستكونا بكل تأكيد نقطة تحول في مسار الأحداث في منطقتنا العربية، التي تكتنفها هذه الأيام كثير من الأزمات والتوترات المتلاحقة، بشأن إيران، التي وجدت نفسها في مأزق اقتصادي خانق، وعزلة سياسية، أدت بها إلى التصعيد عن طريق وكلائها في المنطقة، ظنا منها أن (التصعيد) الإرهابي سيخلط الأوراق، ويخلصها من هذه الأزمة الخانقة، التي تختلف عما مرت به في تاريخها، منذ أن أقام الخميني دولته المتأسلمة، وأعلن حينها بكل ما تحمله الكلمة من وقاحة وبجاحة، أنه سيصدر ثورته إلى كل الدول الإسلامية، لتحقيق حلمه في إقامة إمبراطورية فارسية، بعمامة صفوية. غير أن ما لم يدركه الإيرانيون، ولا من يدورون في فلكهم، أن الملك سلمان منذ أن واجههم في اليمن، لن يترك لهم الحبل على الغارب، وسنواجه مشروعهم الفارسي الصفوي بكل قوة، مهما كانت التبعات، ومهما كانت التكاليف؛ وهذا ما ينطوي عليه مؤتمر مكة في هذا الشهر الكريم.
مشكلتنا مع إيران هي مشكلة وجود، وهذه قناعة راسخة في أعماق السعوديين، من أصغرهم وحتى سلمان بن عبدالعزيز، ومن يقرأ تاريخ المملكة، وبالذات التاريخ القريب، يجد أننا نصبر ونتحمل ونتسامح، ثم نتخذ القرار الذي لم يتوقعه منا أعداؤنا، لتنتهي مواقفنا تماما كما انتهت أزمة احتلال الكويت، وما أشبه ليلة الفرس ببارحة صدام.
ستسبق قمة الدول الإسلامية قمة خليجية وأخرى عربية، وفي هذه القمم تحديداً سيتضح من هو معنا، ومن هو مع أعدائنا، وستكون بمثابة الفيصل الذي يضع النقاط على الحروف، لتأتي بعدها القمة الإسلامية التي هي مكملة لها، وأنا على ثقة أن هناك من سيصطف مع إيران، لكنهم لن يكونوا إلا كمن يسترجع قمة ما قبل تحرير الكويت في القاهرة، وقف مع صدام كثيرون، وبذلوا من الجهود السياسية الكثير ليشدوا من أزره وناصروه سياسياً، وحرضوا على المملكة ودول الخليج، وسيروا المظاهرات، في بلدانهم، وبلدان الغرب والشرق، وفي النتيجة طردنا صدام شر طردة، ورغم أنني لا أؤمن بالمقولة المتداولة بأن التاريخ يُعيد نفسه، إلا أنني هنا أراه فعلا لا قولا سيعيد نفسه.
ولست مبالغًا إن قلت إن ما تمر به إيران اليوم لم تمر به قط في تاريخها، فمع المملكة ودول الخليج تصطف كل الدول المناوئة للإرهاب، وأهمها على الإطلاق الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى على الإطلاق على سطح هذا الكوكب، وليس مع إيران إلا الكسيحة والنطيحة وما ترك السبع، مجرد ميليشيات أغلبها مرتزقة، اصطفوا معها طلبا للمال، كما أن العدو الفارسي اليوم يعاني من حصار خانق، لم تمر به دولة في العصر الحديث، إضافة إلى بلد منقسم على نفسه، يتشكل من إثنيات وأديان ومذاهب، هي أقرب ما تكون ليوغسلافيا قبل أن تتفتت. بمعنى آخر أن كل عوامل الانتصار معنا، وكل أسباب الهزيمة تحيط بعدونا.
ورغم كل ما تقدم، ورغم أن الظروف والأسباب والعوامل هي في صالحنا، فلسنا دعاة حروب، ونتحاشى الإضرار بالآخرين، أو المساس بسيادتهم، ولم يعرف عنا تاريخيا أي أطماع من أي نوع كان، لكننا في الوقت نفسه نعرف كيف ندافع عن أنفسنا، ونحشد التأييد السياسي ومثله العسكري لمواقفنا، ولا نبدأ أحدًا بقتال، إلا إذا اضطررنا إليه اضطراراً، ومشكلتنا مع دولة الملالي أنها ما تزال (ثورة) منذ أربعة عقود، ولم تتحول إلى دولة حتى الآن، ولأنها ثورة وما تزال، فقد آذتنا، وتدخلت في شؤوننا الداخلية، وتبنت الإرهاب السني والشيعي لتقض مضاجعنا، وتسعى لهز أمننا واستقرارنا، فكان لا بد مما ليس منه بدُ، المواجهة ودفع الضرر، ونحن لذلك مضطرين بعد أن استنفدنا كل فرص التفاهم، لإنهم يعملون على أجندة توسعية عدائية، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
إلى اللقاء