عبده الأسمري
أحيانا أشعر بالغثاء وفق مردودات معينة وأرى الغباء المستحكم في سلوكيات متعددة.. هنالك مساحة مفتوحة حدودها مطاطية وإطاراتها مبهمة تنقل الإنتاج الموجع إلى عقولنا الباطنة والظاهرة وتتسرب إلى عمق أنفسنا وتتوغل في عقر أرواحنا بسبب انعدام المسؤولية المعرفية ومصادرة الرؤية الموضوعية من مساحات «المهنية».
لدينا نقل فضائي يأتي بالحق والباطل معًا ويثير الدهشة والسخرية مدمجة. في «جلباب» واحد. قنوات متأرجحة بين الطغيان والخذلان.. حتى أصبحت «سوقا فضائيًّا «يحتوي المتردية والنطيحة».. في ظل انشغال بجمع «الأموال» وتجميع «مغارم الجشع» التي جعلت العقول مشبعة بالتبلد الإنساني ومتشبعة بالتلبد الفكري.
ظلت القنوات تموج بعضها في بعض عبر موجات «التردد» لنقل «التردي» في المضمون من النقطة الأولى وحتى «التوديع» الذي ينقله «مذيع» طالما أثقل كواهل «المتابعين» برداءة المحتوى في المنتج وسوء الاحتواء في تقبل النقد وكأنه بمنأى عنه معتمدًا على تصفيق «زملاء» مهنته أو رفقاء «حارته» أو تطبيل عشيرته الأقربين حتى تقمص «الغرور البعض وتلبس التعالي آخرين ظلوا متأبطين «أوراقًا» ملئت بالتواقيع والتمتمات وكأنهم يديرون «التفريغ» نحو «الفراغ» إلى حيث «حيز» بلا قيمة.
ملأت الإعلانات الأركان والزوايا.. وانزوى «التفضيل» في ركن قصي من العقل ليظل في مكمن «الصمت والغرابة والاندهاش «وكانت النتيجة في ميزان المنصفين والحياديين..»لم ينجح أحد»!!
بين ظهرانينا من يرى نفسه «خبير» زمانه فيما هو «أسير» رهانه.. نرى في طبعه غلبة الذاتية وفي طبيعته استعلاء الفوقية وشذوذ الآراء واحتيال الأنا وسلطنة المصالح.
باتت الحوارات الفضائية «فنا» هزيلا هزليا فكل من ركب جملة أو حفظ مقولة أو جمع كلاما فنثره على طاولة بات «معدا ومقدم برامج» ومحاورًا يستضيف الضيوف بحثا عن «شهرة» أو استبحاثًا عن «مقعد» شاغر في قناة تصارع من أجل البقاء في سوق «نخاسة» فضائي جمع الغث والسمين في توليفة عشوائية بائسة تثير السخرية.
عجبت أن يسأل مقدم برنامج فنانًا عن تاريخ إسلامي أو أن يستفسر آخر من لاعب عن الثقافة أو أن ينتظر «المحاور الجهبذ» من «صغير شأن» أن يعطي رأيه عن الأدب.. أو أن يستمع محاور لهذيان «جاهل» على الهواء دون إبطال «مفعوله».
ابتليت آذاننا منذ زمن بالسفه المعلن في برامج المسابقات التي كانت تدار من «خارجون» بالطرد من دائرة التأثير فآثروا أن يثيروا «عديمي الذوق «من الجمهور بأصوات «السخافة» ونعيق «الهرج» ومدلولات «الحماقة».
تعلو «غمة» التهريج والتسطيح عناوين عريضة من المحتوى الفضائي سواء في البرامج «الحوارية» أو الدراما بشتى أصنافها والأدهى والأمر أن يخرج إلينا «أنصاف» متعلمين أو «أرباع» مذيعين ليظهروا وتوهم النجاح يتوارد من وراء ابتسامات مصطنعة تطغى على محياهم وهم الأعلم بأنفسهم والأخبر بقدراتهم التي تظل هامشا يمرر على أنه «متن».
لو نظرنا إلى الأعوام الخمسة الماضية لوجدنا طفرة «مخجلة» للبرامج الحوارية التي تستضيف العقلاء والبلداء في آن واحد فالصنف الأول أما أن يستقر برأيه أو يتوقر بخروجه عن «نص» المنطق.. أما الآخر فيتشبث بالتنظير ويتفوه بالتحليل وهم لا يعلمون أنهم يلعبون «الوهم» مع «المحاور الفالح» الذي طالما عقد جلسة طويلة من «الاتفاق» السري المبرمج وراء بلاتوهات التصوير قبل الخروج على الهواء.
الاستماع والمشاهدة والتذوق فنون «معرفية» تعتمد على الرقي وتستند إلى الارتقاء بمفاهيم «الإعجاب» بعيدا عن «التعجب» الذي استعمر ذواتنا بفعل «الرخص» و»البهرجة» و»البؤس» الذي تسوقه الفضائيات وأعضاء برامجها في هواء ملوث بالتراجع والتخلف.
.. أمور تثير العجب وتصنع العجائب.. هذا الفضاء المفتوح بات «ملوثا» يبث سموم «السوء» في اتجاهات عدة.. علينا أن ننفض ذلك الغبار المتطاير في أنحاء المعقول.. آن الأوان للانتقاء.. وجب غسيل الأدمغة من شوائب الضرر المسلط على ساحات المعرفة..
علينا تصفية «الأذهان من هذا التلوث المعرفي وتنقية «القلوب» من «اللوثة الفكرية» التي أساءت للذوق البشري والذائقة الإنسانية.