مع تنامى دور الجامعات والمؤسسات التربوية فى المجتمعات وازدياد الضغوط عليها للقيام بدور أكثر فاعلية فى الحياة العامة للمجتمعات، ومع ازدياد الحاجة للأنشطة التطوعية أيضًا داخل المجتمعات للوفاء باحتياجات سكانها يمكن أن يظهر دورًا جديدًا للمؤسسات التعليمية في خدمة مُجتمعها متمثلاً فى قيامها بعملية التطوع الطلابي لخدمة وتنمية المجتمع.
فالمؤسسات التربوية التي تدعو إلى التعاون، وتشجيع الأعمال التطوعية كثيرة ومتعددة مثل: المسجد من خلال الدروس الدينية والمحاضرات وخطب الجمعة، وكذلك المنزل الذى يحتوى الأسرة التى تضم الفرد (النواة الصغرى فى تكوينها)، فالأسرة داعمة من خلال تشجيع أفرادها، ودفعهم إلى ما فيه الخير للمجتمع، ثم وسائل الإعلام -على اختلاف مجالاتها- التى تسهم وبشكل فعال فى تنمية العمل التطوعى، وصولاً إلى أحد أهم المؤسسات التربوية ألا وهي المدرسة، التي يتشكل فيها وعي الطالب من خلال التعلم والتربية والتفاعل مع المجتمع والبيئة المحيطة، والتي تعد إحدى مؤسسات التنشئة والتربية الاجتماعية، التي تعنى تربية وتعليم الطلاب منذ الصفوف الأولية، وتهيئتهم وإعدادهم كأفراد يساهمون في خدمة مجتمعهم ويدركون دورهم الحيوي في هذا الشأن.
يعد المنهج المدرسي من العناصر الرئيسية التي تمارس (بقوة) دوراً كبيراً في إعداد الأجيال الناشئة بما يتفق والفلسفة التي ينتهجها المجتمع، والمبادئ والقيم التي يرتضيها، وهو كذلك أداة فعالة في معالجة المشكلات والتحديات التي يواجهها المجتمع، ولكي يكتب للمنهج المدرسي النجاح، ويؤدي الأدوار المنوطة به، ويحقق الأهداف المرجوة منه.
وحين يتم الإشارة إلى المنهج، لا يقصد به المقررات الدراسية فقط، فلا تكفي الدروس وحدها في تكوين المواطن الصالح، ولكن المُستهدف هو المنهج بكل عناصره، وما يتم التركيز عليه هو عنصر رئيسى من عناصر المنهج وهو الأنشطة التربوية، ويقصد بها «أنماط من السلوك التربوي يمارسها التلاميذ بتوجيه من المعلمين خارج حصص المواد الدراسية، بما يساعد على نمو معرفتهم وخبراتهم، ويحقق نموهم بشكل متكامل»، ولهذا يُعد النشاط من أكبر العوامل في هذا التكوين، فيمكن بواسطته الكشف عن ميول التلاميذ لاستغلالها في النشاط الملائم، كما يمكن عن طريقه تنمية استعداداتهم وقدراتهم والعمل على استثمار وقت الفراغ بما ينفع الفرد والمجتمع في آن واحد.
ويُعد العمل التطوعي من أهم الأنشطة التي يمكن توجيه النشء نحوها فيتحقق للشخصية نموها الاجتماعي، حيث يصاحب برامج النشاط قيم اجتماعية وسلوكية تسعى النظم التعليمية لتحقيقها، ففي النشاط تدريب على أعمال الخدمة العامة، سواء أكان ذلك داخل المدرسة أم خارجها، وأساليب العمل البناء في جو تعاوني بما يحقق الولاء والانتماء للمجتمع الأصغر (المدرسة) والأكبر (المجتمع) و(الوطن).
كما يتيح التطوع الطلابى الفرصة لطلاب الجامعات لاكتساب مهارات وخبرات جديدة فى مجالات عديدة ربما تختلف عن مجالات دراساتهم العلمية أو تدعمها وتحقق لهم إشباعاً للكثير من الحاجات والرغبات النفسية والاجتماعية التى يصبون إليها،» كما أن التطوع يتيح الفرصة للمتطوعين بصفة عامة خاصة الطلاب للاندماج في شبكات أكبر وتعلم مهارات قيمة من شأنها أن تكون مفيدة فى الحصول على وظائف مدفوعة فى المستقبل».
أما بالنسبة لفوائد التطوع الطلابى بالنسبة للجامعات كمنظمات فإنها تتمثل في سد النقص الذي تعاني منه في عدد المهنيين، ومساعدة الجامعات في التعرف على احتياجات المجتمع وتعريف المجتمع بالجامعة.
وللموروث الديني والثقافي دور محفز في الانخراط في العمل التطوعي إذ يختزن الموروث الديني والثقافي الكثير من القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية كالتكافل والتعاون والتراحم،... وكل هذه القيم والتعاليم الدينية تحفز الرجل والمرأة -على حد سواء- على التفاني والتضحية بالوقت والمال من أجل خدمة الأفراد، وتقدم المجتمع.
وفي ضوء العوامل السابقة جاء الإسلام ليزيح الغُبن عن المرأة وتكريس آدميتها وأهليتها، وبوأت الشريعة الإسلامية مكانة سامية للمرأة وحملتها مسؤولية إنسانية وحضارية لا تقل مسؤولية عن الرجل، ومنح الإسلام المرأة حقوقها التي تستحقها، ومع بداية العصر الحديث اقتضت متطلبات الطفرة العملية وخروج المرأة إلى العمل ومشاركتها في العمل التطوعي من خلال المنظمات التطوعية النسائية وقيام الحكومات في نفس الوقت بوضع العديد من السياسات المحلية بما يتناسب مع وضعها الاجتماعي بشأن النهوض بأوضاع المرأة حتى تكون مساهمة المرأة في التنمية فاعلة ومؤثرة.
وقدرة المرأة على القيام بعدة مهام في الوقت نفسه ثمينة جداً، يمكن استثمارها من خلال إشراك مساهمة المرأة في مؤسسات العمل التطوعي، كما يدفع ذلك إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة في الهيئات المانحة والمتلقية لأعمال البر والخير، حيث سيتيح ذلك للمرأة القيام بدور حيوي، خاصة في إيصال العديد من الخدمات التي تلبي احتياجات المرأة، كما تقوم المنظمات النسائية بدور أساسي في تفعيل مشاركة المرأة مع هذه الجهات، خاصة من ناحية تأهيل وتدريب المرأة على المهارات المهنية والفنية، التي تتطلبها أنظمة العمل في هذه المؤسسات.
رأس المال الاجتماعي هو أحد المعايير التي ينبغي أن تقاس بها قوة المجتمع، فهو جزء لا يتجزأ من رأس المال البشري أو الإنساني على اعتبار أن ما يملكه الفرد من نصيب شخصي أو اجتماعي يشكل في النهاية رصيداً إنسانياً يسهم في تحقيق أهداف التنمية في المجتمع.
يعدّ رأس المال الاجتماعي أهم أنواع رأس المال في العصر الحديث، وهو يختلف عن الصور الأخرى لرأس المال لأنه لا يوجد في الأشخاص ولا في الواقع المادي وإنما في العلاقات الاجتماعية بين الأفراد، فهو مجموعة من العلاقات والروابط الاجتماعية التي يكونها وينضم إليها مجموعة من الأفراد في إطار بناء اجتماعي لخدمة أهداف مشتركة.
إن رأس المال الاجتماعي هو المشاركة التطوعية مع الآخرين في المجتمع، يهدف إلى بناء شبكات اجتماعية إيجابية تحث على التعاون مع الآخرين معتمدة على القيم والمهارات الشخصية التي تقوي بناء المجتمع وتستفيد من كافة طاقاته.
ومن جهة أخري نجد أن المملكة العربية السعودية بجهد متنامي في نشر ثقافة العمل التطوعي، حيث أظهرت النتائج الأولية للاستبيان الوطني الأول (مشروع المبادرة الوطنية للتكافل الاجتماعي)، أن مفهوم التكافل الاجتماعي أكثر حضوراً في القرى والمناطق النائية من المدن الكبرى، كما أظهرت النتائج أن دور المرأة في ثقافة العمل التطوعي أقل بكثير مما هو متوقع، إذ مثلت مشاركة النساء التطوعية 32 % في المملكة، وكشفت الإحصائية أن الشباب أكثر حضوراً في العمل التطوعي، وتضم جدة أكثر من 45 مجموعة تطوعية، لتكون بذلك المحافظة الأكثر تجاوباً مع العمل التطوعي والتنموي في المملكة، أما من حيث المناطق فقد ظهرت منطقة مكه المكرمه كأكثر المناطق فاعلية ومشاركة في العمل التطوعي بـ 23.8 %، في حين سجلت منطقة الرياض 26.6 % والمنطقة الشرقية 19.3 %، وسجلت المنطقة الجنوبية 19 %، وجاءت المنطقة الشمالية في آخر القائمة بـ9.4 %.
بالإضافة التجارب المميزة التي قدمتها هيئة الهلال الأحمر السعودي في مجال خدمة حجاج بيت الله الحرام وإدارة الحشود، من خلال الحرص على جودة العمل التطوعي ونوعيته، بتنفيذ برامج لتأهيل فرق من المتطوعين للعمل في المهمات الإنسانية في حالات الطوارئ والكوارث، ودراية كافية بالقانون الدولي الإنساني.
وطبقاً لهذه الإحصائيات فإنها تتطابق مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي تطمح فيها إلى رفع نسبة عدد المتطوعين من 11 ألفاً فقط إلى مليون متطوع قبل نهاية عام 2030م.