الصوم جُنة أقوام من النار
والصوم حِصْنٌ لمَنْ يخشى من النار
والصوم سِترٌ لأهل الخير كلهم
الخائفين من الأوزار والعار
فصام فيه رجال يربحون به
ثوابَهم من عظيم الشأن غفار
فأصبحوا في جنان الخُلد قد نزلوا
من بين حُوْر وأشجار وأنهار
إن الحكمة في فرض شهر رمضان، أنَّ الله تعالى أمرنا أن نصوم فيه ونجوع، لأنَّ الجوع مَلاك السلامة في باب الأديان والأبدان عند الحكماء والأطباء. فما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه.
قال يحيى بن معاذ رحمه الله مرّة لأصحابه: مَنْ شبع من الطعام، عجز عن القيام، ومَنْ عجز عن القيام افتضح بين الخُدّام، وإذا امتلأت المعدة رقدت الأعضاء عن الطاعات، وقعدت الجوارح عن العبادات.
قيل: مثل شهر رمضان كمثل رسول أرسله سلطان إلى قوم، فإن أكرموا شأنه وعظموا مكانه وشرفوا منزلته وعرفوا فضيلته، رجع الرسول إلى السلطان شاكراً لأفعالهم، مادحاً لأحوالهم، راضياً لأعمالهم، فيحبهم السلطان على ذلك، فيحسن إليهم كل الإحسان. وإن استخفوا برعايته وهونوا لعنايته، ولم ينزلوه منزلته من الإكرام، وفعلوا به فعل اللئام، فيرجع الرسول إلى السلطان وقد غضب عليهم من قبيح أفعالهم وسيئ أعمالهم، فيغضب السلطان لغضبه. كذلك يغضب الله سبحانه وتعالى (ولله المثل الأسمى والأعلى) على مَنْ استخف بحرمة شهر رمضان.
إنَّ أعظم هدية حملها إلينا رمضان، بل حملها إلى البشرية جمعاء هي القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى في هذا الشهر المبارك على محمد صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة/ 185).
كما أنَّ هدية رمضان الثانية هي ليلة القدر وهي ليلة نزول القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم، قال جل شأنه {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر/1).
كان سفيان الثوري رحمه الله إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن.
يا غافلاً وليالي الصوم قد ذهبت
زادت خطاياك قف بالباب وابكيها
واغنم بقية هذا الشهر تحظ بما
غرسته من ثمار الخير تجنيها
وتبْ لعلك تحظى بالقبول عسى
أن تبلغ النفس بالتقوى أمانيها
وقلْ: إلهي أنا العبد الذليل وقد
أتيت أرجو أجوراً فاز راجيها
فلا تكلني إلى علمي ولا عملي
واغفر ذنوبي فإني غارقٌ فيها
قال ابن الجوزي رحمه الله: شهر رمضان شهر فيه تُزهر القناديل، وينزل فيه بالرحمة جبريل، ويُتلى فيه التنزيل، ويسمح فيه للمسافر والعليل.
قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: رمضان شهرٌ جعله الله تعالى مصباح العام، وواسطة النظام وأشرف قواعد الإسلام، المشرف بنور الصلاة والصيام والقيام.