د. خيرية السقاف
وانتصفت يا رمضان..
ما مضى منك أكثر مما بقى..
وتتسع أبواب القبول فيك أكثر..
تنبسط أجنحة الرأفة الإلهية للمولعين ببشريتهم أيضًا،
إنهم الموغلون في اهتبال فرص دنيتهم في كل ثانية من عمرهم،
الراكضون للمزيد، الذين يدكُّون صدورهم دون سواهم بسطوة مال، أو جاه، أو شهرة، أو عمل..
المكتنزون خشاش طرقاتها، الممتنعون عن العطاء، أو في حدود..
وتشرع الأبواب المفضية للتبصُّر،
للبخلاء، والمغترين، والمتكبرين، والحقدة، والشَّرهين، والقساة، والبغضة، والحساد..
والظالمين، والطَّامعين، والكذبة، والمنافقين..
تماما كما تشرع لنقيضهم..
تحتويهم بالنداء مغفرةُ الله أن هلموا،
فهل من أوبة لنهرها فيغتسلوا، ولتوبتها ليتحللوا، ولهباتها لينتهزوا؟!..
إذ كلما أوغلت لياليك يا رمضان، قصر السبيل للأوبة، ومكنت الوسيلة للتطهر، وشملت النفس البشرية رجفة الخوف، و...
كبرت مرآة الذات في الذات..
المرء فيك قريب قريب قريب من نفسه كما لا يكون من قبلك، ولا بعدك..
أنت المحطة التي تستقبله،
يلتقي فيك ذاته بجلاء، قبل أن يرحل عنها بوداعك، ويدعها في مهب ذاتها!!..
يا رمضان، لله درك
كم لك من المعطيات المؤثرات فيك؟!..
أنت باعث الصولجان الداخلي في المرء، ليطرق في ثوانيك بابه العميق داخل سراديبه المخبوءة،
ووحده يا رمضان من يواجه مكنونه حين الدموع تكون ندمًا، والشهيق حسرة، والنبض توجسًا، فالسجان الذي فيه غفلته التي تزجه داخل هذا المعتقل في سراديبه الخفية!!..
مفتاحك يا رمضان الذي تسلمه قبل أن ترحل لهذا الإنسان، يمنحه فرصة الخطو السريع حيث يكون إليها وجهًا لوجه، علَّه أن يخرجها من قبضة أنانيتها، وبخلها، وإيثارها، وظلمتها، وقسوتها، ودكنها، وأحقادها، وشهواتها، ورغائبها، وعماها..
عله يقترب من نهرك، ينتهز فرصك، يتخفف من أثقالها بالرحمة الإلهية التي تغمره بها، والإشراقات السماوية التي تهبه ما يبصره،
فأنت يا رمضان له المنحة، كلما مضيت اتسعت منحتك، وتعددت سبلك، وكثرت وسائلك..