د.عبدالله بن موسى الطاير
مستشار الرئيس الأمريكي للأمن الوطني جون بولتون يتصدر المشهد الإعلامي على أنه المحرك الأساس للتصعيد الأمريكي مع إيران. جون بولتون ينتمي للمحافظين الجدد، وأشهر رفقاء دربه بول وولفتز الذي بزغ نجمه ضمن فريق الحملة الانتخابية للرئيس رونالد ريجان عام 1980م، وتواصل وولفتز حينها مع زعماء الثورة الإيرانية لترتيب إطلاق الدبلوماسيين الأمريكيين عشية إلقاء الرئيس ريجان القسم في يناير 1981م. لقد هزم فريق رونالد ريجان الرئيس كارتر وأسهم في تلك النتيجة تنسيق المحافظين الجدد مع الحرس الثوري بخصوص إطلاق في مقابل اتفاقية سرية تزود بها أمريكا إيران بالأسلحة إبان حربها مع العراق.
الرئيس الأمريكي يغرد ويصرح بأنه صاحب القرار الأول في مصير هذه الحشود العسكرية، ولتأكيد ذلك اتصل بوزير الدفاع المكلف وأبلغه بعدم رغبته في أي مواجهة عسكرية مفتوحة مع القوات الإيرانية، وفي ذلك مؤشر على أن الرئيس يخشى من انزلاق قواته في حرب لم يخطط لها. الإعلام الأمريكي من جانب آخر مزعج للرئيس، ولكنه يرى فيه تضليلا للمخطط الإيراني أيضًا. ومن يقرأ بين سطور الرئيس الأمريكي يجد إلحاحا، وربما استجداء للإيرانيين بأن يتصلوا به، وأن يجنبوا أمريكا وإيران حربًا قد يُدفعان لها بدون سابق إصرار. لو كان الرئيس الأمريكي يعرف العربية لردد مع الشاعر قوله:
لم يتصل ماذا دهاه ألا يرى
إني انتظرت وذبت قرب الهاتف
المبعوث الأمريكي الخاص لإيران بريان هوك يحدد غاية هذا التصعيد العسكري ضد إيران بأنه لاستعادة قوة الردع التي فرط فيها الاتفاق النووي مع إيران عام 2015م، وأنهم يعملون باتجاه صفقة جديدة مع إيران أفضل من اتفاق أوباما. وإذا خلصنا إلى أن أمريكا لا تريد حربًا مباشرة مع إيران، على الرغم من أن طرفًا ثالثا أو خطأ قاتلا قد يشعل فتيلها، فإنه من المشروع السؤال عن شروط أمريكا في الصفقة الجديد؟
أول تلك المطالب يتمثل في إنهاء طموحات إيران النووية وإلى الأبد، وثانيها تعطيل برنامج الصواريخ البالستية، وثالثها وقف دعم إيران للإرهابيين، وفي مقدمتهم حزب الله وأنصار الله، والجهاد الإسلامي، والحشد الشعبي، وداعش والقاعدة، ورابعها تهيئة الظروف للشعب الإيراني للإطاحة بحكومته الدينية، وأخيرًا بناء إيران دولة طبيعية. المخططون لهذه الحملة يغفلون أنهم أرغموا الشاه يوما على مثل هذا الخطوات «الإصلاحية» حين أعلن عن ثورته البيضاء عام 1963م وأدت إلى الإطاحة به عام 1978م على يد نظام الحكم الديني القائم. ولذا يبدو لي أن المطالب الأمريكية متعذرة لأنها تستهدف أساس نظام ولاية الفقيه ولن ينتحر النظام اختياريا من أجل عيون أمريكا، كما فعل الشاه الذي تخلت عنه أمريكا رغم الثورة البيضاء التي أملتها عليه.
إذا تمكن الرئيس الأمريكي من مواصلة التصعيد التعبوي ضد إيران وبقي بعيدا عن توقيع قرار الحرب، وتماسكت إيران وهي على حافة الهاوية المقابلة، فلن تكون هناك حرب، وسيؤدي هذا الضغط غير المسبوق ربما إلى جرأة في الداخل الإيراني تؤدي إلى ثورة أو تمرد شعبي أسوة بما يحدث في الجزائر والسودان. الفارق المهم في هكذا سيناريو أن النظام الإيراني الديني لن يكون متسامحًا ألبتة مع أي خروج جماهيري للشارع بهدف قلب نظام الحكم، ولكنه قد يلجأ إلى تغييرات شكلية في أجهزته وهياكله ضمن إطار ولاية الفقيه. هناك عامل آخر مهم لا يجب أن يغيب عن أية قراءة للمشهد الإيراني وهو أن مؤسسة ولاية الفقيه ليست موحدة كما يبدو للناظر من الخارج. هناك انقسامات حادة على أسس أيديولوجية أو مصلحية ولكنها مضطرة للبقاء تحت السطح خوفا من سطوة الحرس الثوري والباسيج. بدون أدنى شك أن منطقتنا ستخسر الكثير بقيام الحرب لأنها ستكون طويلة ومدمرة، وقد تذهب دولة قطر بكاملها ضحية لهكذا حرب؛ فمن قاعدة العديد الأمريكية ستنطلق قاذفات B52، ومن داخل قطر ستدار الحرب مع إيران، والقاعدة والدولة بكاملهما في متناول السلاح الإيراني.