عمر إبراهيم الرشيد
في أجواء وأنوار هذا الشهر الفضيل، وأثر الصيام في تهذيب النفس وتهدئة وتيرة حياتنا اليومية، تهفو القلوب إلى أعظم كتاب لتلاوته وتقوية الروح والوجدان بعظيم قصصه وحكمه. بعد القرآن الكريم يأتي دور القراءة الحرة وصحبة الكتاب، لمن يدرك لذة القراءة في الكتاب الورقي تحديداً. وضمن قراءاتي مؤخراً عكفت على عدة روايات لنجيب محفوظ، منها القاهرة الجديدة، حكايات حارتنا، الفجر الكاذب، حضرة المحترم وغيرها. وكم يتكشف للقارئ أن نجيب محفوظ الحائز على نوبل، ينقل تفاصيل الحياة المصرية، من أزقة القاهرة ومقاهيها وأصدقاء الحارة وفتواتها، من دواوين المصالح الحكومية وشقق القاهرة وعماراتها. ويدرك القارئ فعلاً بأن نجيب محفوظ كتب العشرات من قصصه القصيرة وفصولاً من رواياته وهو يرتشف فنجان قهوته في مقهى الفيشاوي أو ريش وغيرها من مقاهي القاهرة العريقة.
وبالطبع فإن محفوظ يتبع الأسلوب الواقعي في السرد إن صح التعبير، كمثل الكاميرا التي تصور المشاهد والناس والأحداث اليومية دون محسّنات أو تجميل، على خلاف من يرى بأن الأدب ومنه فن الرواية، ينبغي أن يكون له دور تربوي وتنويري في تعزيز القيم وإن بطريقة غير مباشرة، أي ليس بالوعظ المباشر، وممن غلب على أدبه الروائي هذا الأسلوب الروائي المصري محمد عبدالحليم عبدالله والمنفلوطي على سبيل المثال. ولا يخفى على القارئ بأن الروائي إنما يكتب شيئاً منه أي من حياته أو حياة أسرته الكبرى ومعارفه وأصحابه، فليست الرواية خيالاً صرفاً على أي حال، وإن القارئ لروايات محفوظ ليشعر وكأنه في أحد أزقة القاهرة أو في إحدى مقاهيها، لذا لجأت السينما المصرية ومنذ الخمسينات الميلادية إلى تحويل أعمال محفوظ إلى أفلام ذاعت شهرتها على امتداد الوطن العربي، ثم إلى مسلسلات تلفزيونية عرضت في التلفزيون السعودي كما العربي عموماً. وإن كانت السينما لا تنقل دائماً الأعمال الروائية بأمانة، بل حتى السينما العالمية وقعت في نفس الخطأ، إماً لهدف ترويجي أو بحثاً عن إثارة. ولذلك نقول إن القراءة تختلف ولها أثر ومتعة لا يعرفها إلا من عشق الورق وعبير الكتب، تقبل الله صيامكم.