عبدالعزيز السماري
* يتحدث بعض الغربيين أن من العوامل المؤسسة لظاهرة العنف الديني بين المسلمين تلك الرؤية التي تجعل من مختلف بلاد العالم أرض الله الواسعة، وقد استخلفهم الله عز وجل فيها لإعمارها وحكمها، وأن الفتوحات الإسلامية يجب أن تستمر وتعبر المحيطات من أجل تطبيق مبدأ الحاكمية على جميع البشر، وهو ما يراه الآخرون في الدول الأخرى أنه عامل رئيس في قضية الصراع والإرهاب، فتلك النزعة الفوقية والسلطوية التي يتعلمها المسلم مبكراً في مختلف المذاهب قد تجعل من بعض أفراده أجسادًا مفخخة وقنابل عابرة للقارات..
* لفت نظري خبر يتناول مهمة ترويض الإسلام» أكاديمياً في ألمانيا؟، وهدفه منع التأثير الشرقي في التفسير والتلقين والتوجيه، والقادم من تركيا ومن الدول العربية على المجتمع الألماني، والجدير بالذكر أن في ألمانيا يعيش فيها أكثر من أربعة ملايين مسلم، ويوجد حوالي 750 ألف تلميذ وتلميذة من معتنقي الدين الإسلامي في المدارس الألمانية، وهناك خمس جامعات ألمانية تضم منذ عام 2010 أقساما لدراسة الفقه الإسلامي وتأهيل الفقهاء ومدرسي التربية الإسلامية..
وقد أوصى المجلس العلمي، الذي يعد أهم هيئة استشارية للسياسة التعليمية في ألمانيا، في عام 2010 بتأسيس أقسام للدراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية، على أن يكون الهدف من تلك الأقسام تأهيل علماء الدين، كالأئمة ولا سيما المعلمين الذين يتولَّون تدريس مادة التربية الإسلامية.
* على مدى خمس سنوات بلغ إجمالي تمويل الوزارة الاتحادية للتعليم والبحث العلمي للمراكز الإسلامية في جامعات مونستر وأوسنابروك وفرانكفورت وتوبينغن وإرلانغن- نورنبرغ 20 مليون يورو، وقد كانت وزيرة التعليم الألمانية آنذاك، أنيتّ شافان، هي القوة الدافعة وراء المشروع، كانت تتمنى أن تكون هناك دراسات فقهية تنجح في ترجمة الدين على الواقع المعاصر، وكان من المفترض أن يكون المسار الدراسي الجديد علامة فارقة في الطريق نحو الاندماج.
* في عام 2016 خضع هذا المسار الدراسي لتقييم أولي، وجاء التقييم، الذي أجراه باحثون في العلوم الإسلامية وعلماء دين بنتائج إيجابية، وقالت وزيرة التعليم الألمانية، يوهانَّا فانكا، أن تلك الأقسام قد منحت العقيدة الإسلامية موطنًا في إطار المناقشات الفقهية-الأكاديمية، وأن هناك نحو 1800 رجل وسيدة مسجلين بأقسام البكالوريوس والماجستير في تلك الجامعات.
* يسعى الألمان إلى تجديد الإسلام من الداخل إلى الخارج مع التركيز في المقام الأول على عقلانية ونضوج المؤمن، إلا أن مسؤولي الاتحاد ما زالوا قلقين بشأن أحقيتهم في تفسير الإسلام في ألمانيا، ورأوا في مهند خورشيد أستاذًا متحررًا أكثر من اللازم، يخرج عن سياق الإسلام ولا يلتزم بالمبادئ المذهبية في التدريس، وطالبوا بإقالته وأعدوا تقريرًا من المفترض أنه يوضِّح مخالفاته المزعومة، إلا أن إدارة الجامعة أبقت على مهند خورشيد في منصبه.
* العديد من الدارسين يواجه حتى الآن صعوبة في الفصل بين العلم والإيمان، وذلك لأن المسلمين يرغبون في أن يروا في منهج الترويض إثباتًا على صحة عقيدتهم، في حين أن الجامعة هي مكان للتفكُّر في العقيدة، ويرى الألمان المتخصصون أن المهمه قد تستغرق من جيل إلى جيلين دراسيين لحين تصل تلك الفكرة للجميع، وما زالت دراسة الفقه في أول طريقها في ألمانيا، ورغم ذلك، فإنها تحرز تطورًا ملحوظًا، وتوفر ألمانيا قدرًا أكبر من حرية التفكير مقارنة بمعظم الدول الإسلامية التي ينتمي إليها الدارسون..
* دائما ما يحاول الألمان إيجاد حلول أكثر عقلانية لاستيعاب القادمين الجدد من بلاد المسلمين، بدلاً من كراهيتهم أو عدائهم لمجرد أنهم مسلمون، وقد يواجهون صعوبات في المهمة، فالمقدس في العقول قد يصعب ترويضه ولعل تجارب الدول العربية الحديثة شاهد على ذلك، لكن ربما تخرج نتائج غير متوقعة في برنامجهم التطويري في ألمانيا، وقد يخرج إسلاماً ألمانياً مختلفاً ومتوافقاً مع ثقافة المجتمع الألماني..