رمضان جريدي العنزي
عندما يموت المبدع يتبارى الناس في تكريمه، يتناخون في ذلك ويبدعون في الرثاء والتباكي، يصبح عندهم أعز وأحلى وأرقى وأجمل الناس، قدراً وفكراً ومقاماً وإبداعاً، يؤبنونه ويبكون عليه بدمع سخي، ويتحسرون على رحيله، بعد أن كان بينهم نسياً منسياً عندما كانت تدب في جسده الحياة، ويشع في روحه الإبداع، ويومض في فكره العطاء، لا تصله كلمة شكر، ولا إطراء، ولا حتى جملة ثناء، إنه الفهم المقلوب، بينما الشعوب الحية، والأمم المتقدمة، تسارع إلى تكريم مبدعيها وهم أحياء، اعترافاً منهم بمكانة المبدع السامية، وقدراته المميزة، وتثميناً لجهوده الجبارة في خدمة الفكر والإنسان، إن تكريم المبدع وهو حي يعد مسلكاً حضارياً راقياً، ووقفة نبل ووفاء خلابة وراقية، إن التكريم له آثار معنوية تدفع المبدع إلى إعطاء المزيد من الإنتاج والإبداع، وهو فعل قويم يعد معروفاً حسناً، وشهامة عالية، وإحساسًا حقيقيًّا بمكانة المبدع، وموقفاً رصيناً، وصورة ناصعة لا تفارق مخيلة المبدع وتظل عنده حاضرة لا تفارقه حتى يودع الحياة، إن تكريم المبدع الحقيقي، صاحب الحكمة السديدة، والكلمة المفيدة، والموقف الوطني الرصين الصلب، والطرح العقلاني للمثل والقيم الرفيعة، يعد انحيازاً للفكر، إن صاحب النصوص المتوهجة، الذي يترك بصماته في النفس، وقعاً وتأثيراً، هو الذي يستحق التكريم دون سواه من (مهابيل) السوشيل ميديا، الذين زادوا وتناموا وابتلينا بهم، حتى أصبحوا كغثاء السيل، وكالجراد ما حل بأرض خضراء إلا خرّبها وعاث بها، يجب أن يعيش المبدع الحقيقي في وجدان المجتمع، والجهات الوطنية الأخرى، ويلاقي تقديراً واحتراماً وتثميناً، إن إبداع المبدع ومن ثم تهميشه من قِبل المجتمع هو الموت بعينه، إن على المجتمع أن يؤازر المبدع، ويتوق إليه، وينتصر له، ويصطف بجانبه، كونه صاحب الموهبة والطاقة والمسؤولية والاتجاه، والمهموم بقضايا مجتمعه، إن المبدعين هم أصحاب الهمم العالية، والهموم الكبيرة، والمشاريع الإنسانية التي تتحرك على الأرض بفعالية وإخلاص وتضحية، وعلى المجتمع والمؤسسات الحكومية الأخرى أن لا يبخسوا المبدع حقه، بعدم تكريمه وهو حي يرزق، إن المبادرات في هذا الشأن يجب أن تكبر وتتنامى، كونها تصبح تعبيراً واضحاً عن الإحساس العالي بالمبدع وبأعماله ونشاطه، سيما المبدعين الوطنيين الذين ضحوا بالغالي والنفيس، وثبات المبدأ والموقف، وأصبحوا سداً منيعاً في وجه الأعداء والرتزقة والمأجورين الذين يريدون الخراب لا العمار، إن على المجتمع والمؤسسات والجهات الأخرى أن لا يزهدوا في تكريم المبدعين الحقيقيين، إنها دعوة مطلقة لتكريم الذين عطوا، وضحوا بالجهد والوقت والذهن، أزهروا العقول، وأنعشوا الأرواح، وأناروا الطريق، وأمدوا الناس بالعطاء الفكري والعلمي والأخلاقي، فلا يليق بعد هذا أن لا نكرمهم وهم أحياء، وفاءاً لهم وتقديراً وتثميناً لعطاءاتهم الكبيرة والكثيرة، إن على المجتمع بكافة أطيافه، والجهات الوطنية الأخرى، رعاية الإبداع والمبدعين، وتهيئة الظروف والأمكنة المناسبة لتكريمهم، ودعوتهم للمحافل، وتوسيع مظلة الاحتفاء بهم.