عبد الرحمن بن محمد السدحان
* لم تغب عن ذاكرتي قط مبادرةٌ سنّتْها دولتُنا الغالية أيدها الله، قبل عدد من السنين بتأسيس (جائزة تكريم) للمبدعين من أدبائها في روض أو أكثر من رياض الأدب، شعراً كان أو نثْراً.
* وقد استقبلها المعنيّون بها بسحائب من الشكر والعرفان تقديراً لمدلول الجائزة ومعناها.
* * *
* لا أزعم هنا أن المالَ وحدَه يُشجي القريحةَ الأدبيةَ أو يوقد شموع إبداعها، لكنني أُوقنُ أنَّ من بين المبدعين للحرف الجميل وما في حكمه من لا يربطون إبداعهم بالإغراء المالي، إمّا اكتفاءً بما يملكون، أو تحصينًا لإبداعهم أن تسيطر عليه (فتنةُ) التكسُّبِ به أو منه، فترخص قيمتهُ في الوجدان الأدبي، وقد يصبح أحدُهم أسيرَ الأصفر والأبيض من الذهب والفضة نتيجةً لذلك!!
* * *
* وقد أشرتُ إلى هذا الموضوع كتابةً في مجلة (اليمامة) قبل نحو اثنين وثلاثين عامًا وتحديدًا في 20 ربيع الأول من عام 1408هـ. فنشَرتُ مقالاً بعنوان (أين جائزة الدولة للأدب؟) تساءلت من خلاله عن جائزة الدولة للأدب، ثم أسعدني الحظ بالعثُور على نسخة من ذلك المقال، وأستأذن القارئ الكريم في إعادة طرح جوهر الموضوع باختصار شديد عبر هذه الزاوية، تعْمِيمًا للفائدة.
* * *
* قلتُ في حديثي آنفِ الذكر أنه قد مضَى زمن طويل على (غياب) تلك الجائزة لعلةٍ ما لا أعلمُها، وعلّلتُ لنفسي وقتئذٍ غيابهَا بأن السبب ربما كان لمنح المحلِّلين والمعنيين بالجائزة فرصةَ تقييم التجربة، وتصويبَ عثراتِها إنْ وُجدت!
* * *
* لكنّني على يقين بأن الحاجة لتلك الجائزة ما برحتْ قائمةً، واليوم أقولُ بعقلٍ متّئدٍ وقلبٍ مطمئنٍ إن المشهدَ الثقافَّي في بلادنا يزخر تدفقًا بالمخْرجَات الثقافية الكثيرة التي يتنفس بعضها إبداعًا، نثرًا وشعرًا.
* * *
* وأستأذن القارئ الكريم باقتباس جزء يسير ممَّا كتَبتُه قبل نحو ثلاثة عقود حول الموضوع ذاته، أُوجزُها في السطور التالية:
أولاً: أتمنّى أن يُعاد النظر في توقيت موعد الجائزة بحيث تكون كلّ (عامين) يمكن خلالهما رصدُ الإنجازات التي تَستحقُّ التكريم، ويمكن أيضًا النظر في ربط مناسبتها بفعاليات مهرجان الجنادرية الثقافي الذي يزورنا مرةً كل عام بنجاح يبهرُ الأسماعَ والأبصارَ، محليًا وعربيًا، وكان للفِكْر من خلاله قصبُ الرّيادة والسبق.
* * *
ثانيًا: يمكنُ النظر في وجهة النظر القائلة بملاءمة توسيع مفهوم ونطاق التكريم ليشْملَ قطاعاتٍ أخرى من المعرفة المتخصّصة كالهندسة والطب، وإذا جاز الأخذُ بهذا التوجُّه، أمكن عندئذ إعادة تسمية الجائزة بما يتناسب مع المفهوم المقترح لها، كأن تسمى (جائزة الدولة للعلوم والآداب)!
* * *
ثالثًا: أتمنَّى أن يُعاد النظر في مسألة سنِّ المرشح للجائزة، فلا يُقيدُ بخمسين عامًا كحدِّ أدنى، لأن ذلك يعني حجبَ الجائزة عن كفاءاتٍ شابةٍ قد يكون لها ضمن إنجازاتها نصيبٌ مبدع يستحق التكريم، وفي الوقت ذاته يُحرَمُ المجهولُ إبداعُهم في فنّ من الفنون فرصةَ التكريم بسبب الجهل بهم أصلاً، أو عدَمِ قدرتهم على النشر تعريفًا بأنفسهم! أقول هذا انطلاقًا من القناعة بأن الإبداعَ في فنّ من الفنون لا يخضع دائمًا لمعادلة السنّ، ولكن لإبداع الكيف، وذَلك هو المعيار الأكثرُ عدلاً!
* * *
رابعًا: أتمنى أن يشمل هذا التكريم بناتِنا المبْدعاتِ في أيّ من مضامير الجائزة.