ما أجمل أن يكون الإسلام دين الرحمة والتسامح كما هو مقرر في القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}، إن الرحمة والرأفة التي جاء بها الحبيب صلى الله عليه وسلم هي هداية الناس للإسلام {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}؛ لأن هذا الدين هو سبب فلاح الناس في دينهم ودنياهم، من استقام عليه ضمن طيب الحياة ونجاة الآخرة وعظيم الجزاء {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (سورة النحل 97).
تواترت النصوص من القرآن والسنة في محاورة الكفار ودعوتهم وطرق التعامل معهم وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (سورة النحل 125)، والمجادلة بالتي هي أحسن وكما قرره المفسرون تكون بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب، كما قال تعالى {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (سورة العنكبوت 46)، فأمر الله بلين الجانب، كما أمر موسى وهارون عليهما السلام حين بعثهما إلى فرعون {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (سورة طـه 44).
قواعد بينها القرآن خير بيان في دعوة الكفار إلى الإسلام بالأسلوب الحسن وإرادة الخير؛ ولكن قد يفهم البعض من (حوار الأديان) أن في ذلك إقرارًا بها أوتأييدًا وهذا من الخطورة بمكان، اقرأ قول الله تعالى {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (سورة آل عمران 85)، وقوله {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (سورة آل عمران 83).
وقد نزلت سورة الكافرون في رد دعوة المشركين فروى ابن جرير رحمه الله في تفسيره بسنده عن ابن عباس: أن قريشًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: «ما هي؟ « قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزي، ونعبد إلهك سنة، قال: «حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي»، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} الآيات..
الإسلام لا يقبل الله دينا سواه والدعوة إليه نجاة ونور وسعادة كما أعلنها الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه حين قال الرسول (إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضِيق الدنيا إلى سعَتَها، ومن جَوْر الأديان إلى عدل الإِسلام) فالإسلام عبادة لله وسعادة في الدارين وطريق العدل والنصر والتمكين، وقد وفق الله دولتنا المباركة المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله أن تحمل هذا اللواء فنشرت الدعوة الصافية وقبل ذلك في الدولتين الأوليين حين ظهرت دعوة المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب وبمناصرة الإمام محمد بن سعود رحمهما الله، وما زالت تدعو إلى الله ولها في أنحاء العالم مراكز إسلامية وبعثات دعوية ونشر الخير ودعم للمسلمين؛ لأنهم يدركون أن ذلك هو سبب النصر والتمكين في الأرض {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (سورة الحج 41).
إن حوار الأديان ليس تبادل مناهج وأصول؛ ولكنه دعوة إلى الله تعالى لإنقاذ غير المسلمين من براثن الشرك وعبودية الخلق إلى طهارة التوحيد وعبادة الله وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء.