يعتبر العمل التطوعي في الإسلام إحدى الركائز الأساسية في توطيد علاقة الفرد المسلم بأخيه المسلم، وعلاقة المسلم ببيئته ومجتمعه، وقد حرص الإسلام على تشجيع العمل التطوعي والدعوة إليه في كل المحافل والمجالات، بحيث يتحقق مفهوم التكافل، والتعاون، والمحبة، وتكون جميع القوي الإنسانية في المجتمع مُتلاقية ومتحدة في تنمية المجتمع، والحفاظ على مصالح الناس.
وتظهر مكانة العمل التطوعي جلية واضحة من خلال دعوة الإسلام إلى التطوع ومساعدة الآخرين، والتعاون وبذل المال، ووعد فاعل ذلك بالأجر العظيم مصداقاً لقول الله - تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}، وحثه أيضاً على فعل الخيرات، مصداقاً لقول الله تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
- لقد حث الإسلام الإنسان المسلم على تقديم كل ما يستطيع في سبيل تحقيق الأجر والثواب، وبما فيه منفعة الفرد في الدنيا والآخرة، مصداقاً لقول الله - تعالى:
{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وقوله تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ».
- ألحق التطوع بالفريضة، باعتبار أن التطوع زيادة عن الفريضة، وهذا ما يعطي العمل التطوعي أهمية خاصة، لقول الله - تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ}.
- جعل العمل التطوعي مناخاً لتحقيق الوحدة والتعاون، مصداقاً لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.
- وعد المتطوعين بالأجر العظيم والتمكين والأمن، مصداقاً لقوله - تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}»، وقوله تعالى:{مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، وقوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
- التأكيد على أن العمل التطوعي فيه منفعة للذات، وأن على الفرد المسلم تقديم العون للآخرين، تحصيلاً لرضا الله -عز وجل- ونيل الأجر والثواب، قال الله - تعالى- في وصف المتقين: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، وقال -تعالى- متحدثاً عن البر الذي ينبغي أن يكون عليه المرء: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}.
- خصّ القرآن الكريم المبادرين إلى العمل الإنساني التطوعي بأنهم يتقدمون على من سواهم، مصداقاً لقول الله - تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}.
حثت العديدُ من الأحاديث النبوية على فعل الخير، والإحسان، والأمر بالمعروف وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدوةً للمسلمين في مبادرته وحثه، وتأكيده على الاستجابة لنداءات الملهوفين، والمظلومين، والمحتاجين، كما ربى أصحابه على المبادرة في التطوع في كل مجالات الحياة، فضربوا أروع الأمثلة في مواقف كثيرة، فنهضت الأمة، وازدهرت حضارتها في مشارق الأرض ومغاربها.
أخلاقي لاستناد العمل التطوعي على بناء متماسك من القيم والأخلاقيات التي تعلي من شأنه، وتغرس في الفرد أخلاق التضحية والبذل، وتخلصه من الأنانية والشح، مما يخفف من كراهية وحسد وحقد المستضعفين والمحتاجين، فيعمل على إيجاد مجتمع تسوده عواطف كريمة ومشاعر نبيلة، كما يعزز قيم التضامن والتكافل والتكامل، ويدعم قيم المواطنة، والانتماء، والمساواة والعدل.
تعد ثقافة العمل التطوعي دليلاً واضحًا على يقظة المجتمعات وشعورها بأهمية دورها البناء تجاه أبنائها، إذ إن نشرها بين أفراد المجتمع يعد من الركائز الأساسية لتماسكه وغرس القيم والأخلاق والفضائل، حيث تزكو النفس البشرية وتسود قيم المحبة والإخاء والتعاون داخل منظومة المجتمع، ويتجسد مبدأ التكافل، ويتحسن المستوى الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة إلى استثمار أوقات الفراغ بصورة مثالية وإشاعة روح النشاط والعمل والجد والاجتهاد.
كما تتضمن المخطوطات الصينية القديمة نداءات لتقديم المساعدة والعون للعجزة والمسنين والبؤساء والأرامل والأيتام، وكذا للأعمى والجاهل والمريض، وكان أباطرة الصين يظهرون الشفقة والرحمة من خلال تقديم المساعدة المباشرة للمحتاجين.
أما في بلاد فارس فقد وجدت أمثلة كثيرة على تقديم المساعدة للمجتمع، ففي فترة زرادشت في القرن الخامس قبل الميلاد -وكذلك الأمر في الهند القديمة- كان العطاء للفقراء من بين الأفعال الستة المقدمة لمواليد الطبقة الأولى من الهندوسية، كما تدل الآثار في تلك الفترة على أن من يطلب الغذاء عندما يحتاج لا يوصم بالعار، ولكن قبول الصدقة عند عدم الحاجة إليها يعتبر وصمة في جبين المرء في حياته وبعد مماته.
وقد عرف عن الدين الإسلامي أنه شريعة امتازت بالتنظيم المجتمعي، وقد حث على التعاون والمحبة والعطاء، ولقد ذكر التطوع كثيرا بوصفه نوعًا من أنواع العبادة والتقرب إلى الله، مثل صلاة النفل، والتطوع بالصوم، وهناك أيضًا الفئات المستهدفة بالتكافل الاجتماعي وهم: كبار السن، والفقراء والمساكين، والأيتام، والأرامل، والمطلقات، والمعوقين، والمرضى، وفي الإسلام موارد كثيرة يتحقق بها التكافل الاجتماعي منها: الزكاة (بنوعيها: زكاة المال وزكاة الفطر)، والأضاحي والهدى، وصدقة التطوع، والهبة، والهدية، والوقف، والميراث، والوصية، والنذر والكفارات، والنفقة بين الأقارب، وقد وردت في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تدعو للتطوع، ومنها على سبيل المثال:
قوله -تعالى- {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ}.
وقوله أيضا:{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}.
وقوله -تعالى-: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}.
وقوله كذلك :{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
أما ما ورد في الحديث الشريف من أمثلة فكثيرة مواضعها أيضًا، نذكر منها:
قوله صلى الله عليه وسلم: (خير الناس أنفعهم للناس)، وقوله: (ما آمن بي من بات شبعان، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وقرن بين إصبعيه: الوسطى التي تلي الإبهام «السبابة».
وقوله أيضا: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار).
وقوله:(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة).
وقوله كذلك: (من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين).