محمود شومان
تتصاعد الأنباء بين لحظة وأخرى حول «الحشد» العسكري الهائل للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج في مقابلة إيران وتحت عنوان «مواجهة التهديدات الإيرانية لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة: قاذفات من طراز «بي - 52 ستراتوفورتريس» تهبط في قاعدة أميركية في قطر.. وصول حاملة الطائرات الأميركية «أبراهام لينكولن» إلى البحر الأحمر.. إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن السفينة الحربية «يو إس إس أرلينغتون» التي تضم على متنها قوات من مشاة البحرية (المارينز) وعربات برمائية ومعدات ومروحيات إلى جانب منظومة باتريوت للدفاع الجوّي انضمت إلى القوات الأمريكية في الشرق الأوسط.
وترافق تصعيد الحشد العسكري من قبل الولايات المتحدة مع تصعيد سياسي لبدء مفاوضات بين البلدين بعدما نقلت وسائل إعلام أمريكية عن مصادر دبلوماسية أن البيت الأبيض أجرى اتصالاً برئاسة سويسرا التي ترعى مصالح أميركا في إيران وأعطاها رقم هاتف يتيح للإيرانيين التواصل مع البيت الأبيض مباشرة في حال أرادوا التفاوض فيما رد الجانب الإيراني علي تلك الأنباء من خلال مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن «إرسال رقم الهاتف لا يحل مشكلة العلاقات الثنائية بين البلدين». وأضاف: «لديهم أرقام اتصالاتنا إذا اقتضت الضرورة».
وتوضع التساؤلات... هل نحن أمام حرب قادمة مع إيران.. هل الولايات المتحدة صادقة في نواياها لمواجهة التهديدات الإيرانية.
من الممكن اعتبار تصريحات مبعوث الإدارة الأمريكية لشؤون إيران براين هوك، أن الولايات المتحدة لا تتطلع إلى حرب مع إيران أو إسقاط حكومتها، بل إلى إبرام اتفاق استراتيجي شامل جديد معها كإجابة أولية إلى أن تتطور الأمور.
في السنوات الماضية مرت الكثير من الأوضاع والتطورات كانت كفيلة باندلاع حرب مع إيران لكنها لم تندلع ولمرات كانت إيران على شفا الحرب لكنها تراجعت في اللحظات الأخيرة فهي تمارس الشر بعقلانية شديدة تعرف متى تتوقف وكيف تتجنب ردات الفعل من الآخرين بالأخص الولايات المتحدة.
وكثيراً ما غامرت إيران بخطر اندلاع حرب مع الولايات المتحدة: تفجيرات بيروت 1983 التي استهدفت مبنيين للقوات الأميركية والفرنسية في بيروت وأودى بحياة 299 جنديًّا أمريكيًّا وفرنسيا في 23 من أكتوبر عام 1983 ودعم الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل «فتى أمريكا المدلل» حتى أدرجت في عام 1984 على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب الدولي وفقًا لوزارة الخارجية فإن إيران واصلت «تقديم كميات متفاوتة من التمويل والملاذ الآمن، والتدريب، والأسلحة لحزب الله اللبناني وجماعات الرفض الفلسطينية أبرزها حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين -القيادة العامة. كما شجعت حزب الله والفصائل الفلسطينية الرافضة لتنسيق التخطيط وتصعيد أنشطتها كذلك اتهام الولايات المتحدة لها بدعم الهجمات على القوات الأمريكية مثل هجوم الخبر.
وجميعها أوقات فارقة كانت إيران فيها على شفا المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة ولكنها أدركت تمامًا ضرورة تجنب الحرب والاكتفاء باستخدام الوكلاء في مواجهة غير مباشرة مع الولايات المتحدة.
لكن هناك ما يجعل اندلاع حرب أكثر احتمالاً في الوقت الحالي على الأقل بداية من إصرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وضع حد للعبث الإيراني في المنطقة الذي بدأه بالخروج بشكل أحادي من الاتفاق النووي مع إيران وصولاً إلى فرض عقوبات خانقة جداً تنذر بانهيار الاقتصاد الإيراني كذلك الحشد العسكري الأمريكي الكبير والمكلف ماديًّا لن يكون من قبيل «اللعب أو مناوشة طهران» كما أن الولايات المتحدة هي التي تدفع بإيران هذه المرة إلى المواجهة.
وتبدو الخيارات أمام طهران الآن غير واضحة خاصة أن احتمال أي تدخل أوروبي لتجميد الموقف بات بعيد المنال جداً فالبرغم من عدم ارتياح فرنسا أو بريطانيا لسياسيات ترامب إلا إنهما رفضتا أيضًا تهديدات روحاني باستئناف النشاطات النووية وهما تنتظران من طهران وليس من واشنطن أن تتراجع.
وأما أي انتظار إزاحة ترامب من منصبه من خلال الانتخابات العام المقبل يبدو خياراً صعباً فترامب ربما يفوز بولاية ثانية كما أنه من الوارد ألا يقبل أي خليفة ديمقراطي له السياسة الحالية.