د. محمد بن يحيى الفال
من المؤكد الذي لا لبس فيه، ولا يختلف عليه شخصان، سواء متخصصَين أو غير ذلك، أن المملكة تنعم باقتصاد قوي، وفيه كل عوامل الجذب لصناعة استثمار مزدهرة بكل ما تعينه الكلمة، وهو الأمر الذي جاءت رؤية المملكة 2030 لتحقيقه، وجعله حقيقة ماثلة للعيان. وحتى لا يكون الكلام مرسلاً بلا أدلة تثبته وتؤكده، هناك مؤشرات داخلية وخارجية على أن الرؤية تسير بالشكل الصحيح المرسوم والمخطط لها من قائد دفتها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود راعي نهضة المملكة الحديثة الهادفة نحو التحول لمناخ اقتصادي جديد، يهدف إلى تقليل الاعتماد على سلعة البترول النابضة ومتذبذبة الأسعار، وبمتابعة دقيقة وعمل دؤوب مستمر لا ينقطع لتنفيذ الرؤية، يقوده بامتياز وبمنجزات ضخمة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود. فالمؤشر الداخلي نراه بنجاح برنامج التوازن المالي الذي تم إقراره في شهر ديسمبر 2016، ويهدف أساسًا لتحقيق ميزانية عامة للدولة بدون عجز بحلول عام 2023، وهو الأمر الذي تحققت بوادره المحفزة والمفرحة بإعلان معالي وزير المالية محمد الجدعان مؤخرًا أن الميزانية العامة للدولة حققت فائضًا في الربع الأول من عام 2019، بلغ ما يقارب 28 مليار ريال. المؤشر الآخر ذو البُعد العالمي لمتانة وصلابة اقتصاد المملكة هو استضافتها قمة العشرين G20 في الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر العام المقبل، وهي القمة التي تضم أكثر من عشرين دولة مؤثرة في الاقتصاد الدولي وحركة التجارة العالمية، ومن ضمنها المملكة. المؤشر الخارجي الذي يوضح متانة وقوة الاقتصاد السعودي هو أن تصنيفات كبرى وأشهر وكالات التصنيف الائتماني الدولية تصنف المملكة باستمرار في ترتيبات متقدمة. ومن آخر هذه التصنيفات ما أعلنته أكبر وكالتَين للتصنيف دوليتَين (موديز وفيتش)؛ إذ أعلنت الأولى قبل أشهر أن المملكة تتمتع بدرجة «A1»، وهي درجة متقدمة في التصنيف، مع نظرة مستقبلية مستقرة لاقتصادها، بينما منحت الوكالة الثانية المملكة قبل شهر تصنيفًا متقدمًا بدرجة «A+»، وأيضًا مع نظرة مستقبلية مستقرة لمسار الاقتصاد السعودي.
من نافلة القول إن الدورة الاقتصادية تتكون في أساسها ومحورها من منتجين ومستهلكين، وهو الأمر الذي فطنت له غالبية الدول المتقدمة في مجال الأعمال والتجارة والاقتصاد، وسعت لسَن القوانين الضامنة لحقوق كل من المنتجين والمستهلكين، وذلك من باب تقوية صناعة الاستثمار فيها، وجعل اقتصادها يعمل بطريقة تنافسية، تصب في النهاية لصالح المستهلكين. وصبت هذه الدول اهتماماتها في محورين أساسيين، يتعلقان بالطرف المهم والأضعف في معادلة الدورة الاقتصادية، هو المستهلك. وهذان المحوران هما حقوق المستهلك وخدمة العملاء. فأينما وُجدت حقوق للمستهلكين وجدنا خدمات عملاء مميزة، والعكس صحيح. وإضافة للقوانين والأنظمة التي سنتها أغلب دول العالم لحماية حقوق المستهلكين فإن علاقة الدورة الاقتصادية بين المنتجين والمستهلكين علاقة متغيرة وغير ثابتة، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بسياسة السوق من عرض وطلب، وعوامل أخرى، كانت ولا تزال من أهم المواضيع التي تُبحث في مناهج كليات الأعمال والاقتصاد في كل دول العالم. كذلك فقد أُجري كم هائل من الدراسات والإحصائيات واستبيانات الرأي حول أهمية كل من حقوق المستهلك وربيبتها خدمة العملاء فيما يتوقعه ويطلبه المستهلكون من المنتجين، سواء للسلع أو الخدمات. ومن آخر هذه الدراسات ما تم مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ أوضحت دراسة مطولة أن 70 % من أسباب شراء سلعة ما كانت نتيجة للطريقة التي تم بها التعامل مع الزبون، وأن 86 % من العملاء مستعدون لدفع ثمن أعلى في حال تم تقديم خدمات مميزة لهم. وأوضحت الدراسة كذلك أن 70 % من العملاء سوف يتعاملون مع الشركات مرة أخرى في حالة قيام هذه الشركات بحل الشكاوى التي قُدمت من قِبل هؤلاء الزبائن. ولعل أهم ما خرجت به الدراسة، الذي يؤكد أهمية وجود خدمة عملاء فاعلة ومميزة، وذراع مساعدة لأي اقتصاد، أن خبرات المستهلكين السابقة بخصوص الطريقة التي تم بها التعامل معهم مع حلول عام 2020 سوف تطغى على ثمن السلعة وجودتها. وفي استبيان أجرته مؤسسة «Financeonline.com» عن أفضل الدول في مجال تطبيق خدمة عملاء فاعلة حدد الاستبيان عشر دول، تم تصنيفها حسب الترتيب من تصنيف مكون من مائة نقطة، جاءت فيه نيوزيلندا على رأس القائمة، وتلتها بالترتيب كل من (كندا، النرويج، أستراليا والدنمارك)، وخمس دول أخرى، من بينها دولة عربية واحدة، هي الإمارات العربية المتحدة. ولعل ما يلفت النظرفي التصنيف السابق خلو الولايات المتحدة منه، وهي الدولة التي عُرفت بتميز خدمات العملاء فيها. ولعل سبب ذلك يعود إلى المتطلبات الصارمة المقدمة للمستهلكين لأنواع الصناعات والخدمات كافة التي يفرضها مؤشر رضا العملاء الأمريكي AmericanConsumer Satisfaction Index، الذي أوضح في تقرير صدر عنه عام 2014 أن هناك تراجعًا طفيفًا في مستوى الخدمات المقدمة للأمريكيين. ومع أن التراجع طفيفًا فقد أكد مسؤولو المؤشر أن ذلك لم يحدث خلال عشرين عامًا خلت. على كل حال، تبقى الخدمات المقدمة للمستهلكين الأمريكيين مميزة من خلال مراقبة كل من المؤشر الأمريكي لرضا العملاء الأمريكي، وهو مؤسسة خاصة، ومن قبل الجهة الحكومية التي أُنشئت قبل مائة عام لمحاربة التعاملات الخادعة وغير العادلة وأصناف الاحتيال كافة. وهذه الجهة هي هيئة التجارة الفيدرالية (Federal Trade Commission).
في بلادنا موضوع حقوق المستهلك وخدمة العملاء موضوع ذو شجون، يطول الحديث عنه، وما زال - بالرغم من التقدم الإيجابي الذي حدث له مؤخرًا - يتسم بالسلبية في الكثير من جوانبه؛ فهناك عدد من الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بموضوع المستهلك وخدمة العملاء، هي وزارة التجارة والاستثمار والهيئة العامة للمنافسة فيما يخص القطاع الحكومي وجمعية المستهلك السعودية والشركة السعودية للمعلومات الائتمانية (سمة) كقطاع خاص. وبالاطلاع على موقع وزارة التجارة والاستثمار على شبكة الإنترنت نجد أنه يحتوي على 20 نظامًا ولائحة، ليس فيها ذكر للمستهلك بالاسم سوى مرة واحدة فقط في نظام الغش التجاري المكون من 31 بندًّا، ذُكر فيه مصطلح المستهلك في البند الأخير، مع أن الوزارة تضم في هيكلها التنظيمي وكيل وزارة لشؤون المستهلك. ولعل ما يرفع العتب عن الوزارة فيما يخص القضايا المتعلقة بالمستهلك هو نشرها دليل لحقوق المستهلك. ولعل من المنطقي وضع تساؤل حول: لماذا سُمي بدليل عوضًا عن نظام أو لائحة؛ وهو الأمر الذي يعطيه إلزامية التنفيذ عوضًا عن جعله دليلاً فقط؟
وبالنسبة للجهة الحكومية الأخرى ذات العلاقة بالمستهلك فهي الهيئة العامة للمنافسة؛ لكون المنافسة تصب في المحصلة النهائية لصالح المستهلك بتعدد الخيارات المتاحة له. وتذكر الهيئة على صفحتها على الإنترنت خمسة عشر اختصاصًا لعملها، منها اثنان يقعان في دائرة حقوق المستهلك بطريقة مباشرة وغير مباشرة. فالبند الثالث من اختصاصات الهيئة يشير إلى أنها مسؤولة عن مراقبة السوق لضمان تطبيق قواعد المنافسة العادلة. وفي البند الثامن من اختصاصاتها تقول الهيئة إنها مسؤولة عن نشر ثقافة المنافسة، وتعريف المجتمع بالحقوق التي كفلها نظام المنافسة. ويبدو أن الهيئة ولتحقيق هذا البند قامت - كما هو موضح على موقعها - بحملات توعوية، كان آخرها منذ سنتين خلتا.
أما فيما يخص الجهات الخاصة ذات العلاقة بحقوق المستهلك فتقع الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية على رأس هرم الجهات التي تلاقي تذمرًا من نطاق واسع من المستهلكين؛ كونها مع مرور كل هذه السنوات على إنشائها ما زالت تركز نشاطاتها - على حسب رسالتها المذكورة على موقعها - على تحقيق أعلى مستويات الرضا لشركائها، الذين يبدو أنهم أصحاب الأعمال والشركات. ومع قول ذلك فلا بد من القول إن الشركة سعت في الآونة الأخيرة نحو التطرق بجدية لحقوق المستهلك، التي كان آخرها الندوة التي أقامتها الشركة قبل أشهر بالتعاون مع الغرفة التجارية بالرياض، التي كان موضوعها حقوق المستهلك.
بقي في مربع الوزارات والهيئات ذات العلاقة بالمستهلك وخدمة العملاء جمعية حماية المستهلك السعودية التي بالكاد يُذكر وجودها الفعلي على الساحة من خلال ما كانت تنشره الصحافة عن الصراع والنزاعات القضائية حول من يترأس مجلس إدارتها، وذلك قبل سنوات خلت. وللتحقق من نشاطاتها لم يكن متاحًا؛ لكون موقعها ما زال تحت التحديث.
خلاصة القول: لدينا في المملكة منظومة حكومية وخاصة موجودة على أرض الواقع، وتستطيع إذا تحقق التعاون البنّاء مع بعضها الخروج برؤية واضحة لقوانين وأنظمة صارمة لحقوق المستهلك وخدمة العملاء، مع تنظيم مؤتمرات عالمية بشكل دوري في المملكة بالتعاون مع الدول والمؤسسات الرائدة في مجال حقوق المستهلك وخدمة العملاء؛ لتكون المحصلة النهائية لكل هذه الجهود قوة دافعة لثقافة الاستثمار التي تسعى المملكة لتطبيقها، ويقود دفتها باقتدار صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.