د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ألهمتني فكرة المقال حوافز الفوز التي حققها طلاب بلادنا حين وقفوا على منصات المنافسات العالمية، وتصدرهم حيازة أوسمة الفوز في كثير من الأوقات، وآخرها الحصاد المحفز في خواتيم الأسبوع الماضي للجوائز من طلاب بلادنا المشاركين في معرض (إنتل- آيسف) الدولي للعلوم والهندسة المقام في مدينة فينيكس بولاية أريزونا الأمريكية، ولقد أصبح الحضور السعودي للطلاب في التعليم العام والعالي معتادًا ومتوقعًا في مستراد المعارض والمنافسات العالمية ؛ وتلكم مؤشرات أكيدة على السعي الوطني والمؤسسي الصادق لصناعة الابتكار واحتضان العقول السعودية المبدعة لتكون جديرة بانتمائها لوطن متفرد أيضًا...
ولأن فضاءات الإبداع مفتوحة لعقول طلابنا، وتنطلق منها مهرجانات محلية فاقعة الألوان، في ذات المكان والبيئة، ولأن مؤسسة «موهبة» الموقرة بيت الموهوبين وسكنهم انعتقت من وتيرة التقليد ودخلت فضاءات المعرفة الحديثة بخطوات مشهودة، وذهبت تبحث عمن يباري عقول الموهوبين الملأى في بلادنا وهي تثق بالاستحقاق، فكل اصطفاف لمؤسسة «موهبة» وكل وقوف مشكور محمود منذ تأسيسها، وأخال الموهوبين والمبدعين ما زالوا يحتاجون إلى قراءات فاحصة لذلك الإبداع وإدراكه، فالممتلؤن المقتنعون بوجودهم المتفرد كثيرون. من هنا فإن غياب المحفزات المباشرة تفضي إلى نقص الرغبة في الإنجاز, وتقاصر القدرة على الإبداع، فقد يواجه المبدعون صعوبة في رسم حدودهم عندما تهطل عليهم طاقات الفكر، وقد يرون ذلك حقيبة مجهدة ينتقلون بها لكثير من الفضاءات وينشدون ذلك اليقين على أفكارهم المبدعة، فالمبدعون في بيئاتهم الصغيرة لابد أن يقفوا في موقف حقيقي من المصطلح، ولا يكونون في هامشه ليستهلكوا الفُتات، وأن تقام لهم مواقع الإنتاج لتوليد ما يختزنون من طاقات, والاستفادة من الإضافات النوعية حيث يصنعون المعرفة المنتجة، ويفجرونها في القنوات والسواقي، ويحولونها إلى طاقات محتملة.
قال الله تعالى {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (طه 50)، والهداية للفطرة أولاً وللعقل النامي المفكر ثانياً، فالوطن جعل للمبدعين المبتكرين أولوية, وأشاد بهم ولهم فتبرعم عند طلاب بلادنا الإبداع المسكون بالابتكار والدهشة, وهو ما يمنح الموقف الوطني منهم مباهج لا تحصى.
وجديرة بلادنا مكانًا ومكانة باستضافة المنافسات العالمية للطلاب المبدعين المبتكرين من أنحاء العالم بعدما شهد العالم نماذجنا المشرفة وإمكاناتنا العليا لصناعة حضارة العقول الجديدة، وفي ذلك حيازة حركة مفعمة تضخ في وجدان طلابنا طموحات عليا لمواكبة العالم، ولتكون بلادنا السعودية محضنًا لمبتكري العالم لتحقيق المثاقفة العلمية على أرض بلادنا الغالية, ولذلك لابد من إعادة صياغة الإستراتيجية السائدة في التعامل مع الابتكار والإبداع واستنبات توجهات المبدعين وما يحملونه من إضاءات تزخر بالطرافة المدهشة التي تخطف المشهد في المعرفة بكل أشكالها وصنوفها، وأن ما يملكونه مناخات مخضلّة, وأنها ليست محض مصادفة, أو فكرة قفزت ثم تنأى وتموت، فإننا نكون قد وسعنا وبشكل لافت الانعتاق من سلطة الحواس, ونجحنا أن نطلق الإبداع من إسار طقوسه المألوفة؛ ليزهر بنبتة تمتزج فيها هالة من اللحظات المجتمعية التنويرية ومن ثم نقدمها للعالم وهي وفيرة وافرة.
وفي تلك اللحظات تبرز ملامحنا المتماسكة الناضجة، ونبدأ في إيقاظ مشاريع المبدعين النائمة أو المؤجلة في قائمة أحلامهم, ونصطف مع المبدعين في مضمارهم، ونفسح الطريق لجيل قادم لينحت اسمه عند نقطة الانطلاق، ويمهرها بخاتمه حين يكتمل السباق, ويحصد الوطن تجليات نادرة صَنع لها أوعية من الوضوح والجلاء لتكمل تفاصيل مستقبل عظيم ينتظرهم عندما يبارون أهدافاً, ويحققون صنائع, ويصفون دروب إبداعهم ويغلبون باحتراف وحذق في مسابقات الاقتراب من النهايات المبهرة عندما يكون العالم هنا في بلادنا حينما تشع من مفاوزها ذكريات العباقرة في وادي عبقر.