حاورها - محمد هليل الرويلي:
استعادت عضو مجلس الشورى القاصة والكاتبة الدكتورة أسماء صالح الزهراني, علاقتها بالكُتب في هذه المساحة الأسبوعية التي تخصصها الثقافية «ذاكرة الكتب» لاطلاع القراء والمهتمين والمتخصصين على جوانب غنية من التجارب البكرية المأزوزة بقدحة بدايات العتبات وما يصحبها بعد ذلك في مسيرة المثقفين والكُتّاب من ائتلاف بالكُتب. من ومضة ولوج النهم, لآنية المرور الواعي بين الفواصل والقواسم المشتركة على حدٍ سواء مع أغلفتها, أو مع ما اشتملته وضمنته جنائنها وردفات جنباتها من عمق في المحتوى وغرابة وغزارة في الفكرة, إضافة لتشكل وتدفق المنتوج الإبداعي الناجم. وكشفت «الزهراني»: أن والدها -رحمه الله - دفعها لـ«سيدات في بيت النبوة» لعائشة بنت الشاطئ , مصحوبة بوعد بالمكافأة، ليصنع هذا الكتاب بداية عهدها بالقراءة ومنطلق علاقتها بالكتب, ثم امتدت يدها إلى رفوف المكتبة المدرسية مستعيرة سلسلة «المكتبة الخضراء», فيما كانت (المجموعة الشعرية لعبد الرحمن العشماوي)، فاتحة علاقتها بالشعر والشراء.
وأضافت: وفي سن مبكرة - ما قبل الثانوية- بدأت ببناء مكتبتي الخاصة. معظمها كتب مستهلكة من قبل إخوتي وأخواتي الأكبر مني، غالبها فقدت أغلفتها أثناء التداول بين الأيدي، غير أنني كنت أعيد تغليفها، وأضع لها ترقيما، إذ استخدمت ترقيم «ديوي» بعد أن قرأت وتعلمت هذا الترقيم, واستخدمته لتنظيم مكتبتي التي لا تتجاوز المائة كتاب. موزعة على أربعة رفوف أحصيها برأي العين، وأتعامل معها بقانون الإعارة.
عشت في ظل أب عاشق وأم متعطشة
كما كنت في صغري أجمع نصوصاً مختلفة لشاعر، أو قصاصات لكاتب، وأجهد نفسي في كتابتها بخط يدي في دفاتر، حتى تراكمت الدفاتر، لقد قضيت وقتاً في توثيق النصوص أكثر من قراءتها، حتى اكتشفت - حين زرت مكتبات مع والدي - رحمه الله- أنها مطبوعة وتُباع في المكتبات. أحبطت وقتها، لكنها الآن بقايا طفولة سعيدة في ظل أب عاشق للمعرفة، وأم متعطشة لتعلّم القراءة لتذوّق شيء من الغبطة التي تشهدها في وجوهنا وحواراتنا حول قراءاتنا.
وحول الكتب التي فقدتها بينت «الزهراني» أنها كثيرة، غير أن كتاب «البحر المحيط»، يعد أعزها, إذ هو كنز أعرته لزميلة لم يعد لموضعه في مكتبتي بعدها. وترجع أهميته كونه إهداء من والدي -رحمه الله -. كما فقدت أثناء تنقلاتي للدراسة بين الرياض وجدة مراجع مرحلة الماجستير. فيما عنيت بتجليد رسالتي الدكتوراه والماجستير بحكم اشتراطات الدراسة، ومراجع المرحلتين لحاجتي لها.
كتبت معاركي الروحية باسم مستعار (انكسارات)
وكشفت «الزهراني»: أن أول تجربة في التأليف ما عنونت به مجموعتها الشعرية في العام 2005م «انكسارات»، الصادرة عن دار المفردات للنشر بالرياض، وهو الاسم الرمزي نفسه «انكسارات», الذي تكتب به على الشبكة. هذه المجموعة عبارة عن عدد من النصوص كتبت في مرحلة من العمر، افتُتحت بوفاة والدتي -رحمها الله- وفاة مفاجئة، ثم وفاة والدي - رحمه الله تعالى- بعدها ببضع سنوات، بعد صراع مع المرض. تخللتها مصاعب أخرى لا يتسع لذكرها المقام، كانت المجموعة الشعرية بمثابة معارك روحية لتلك الأحداث احتضنتها الكلمات وكانت سلاحي في المواجهة. مشيرة إلى أن التشظي الذي يجده القارئ أو يصنعه الكاتب سمة السرد، والسرد عنوان يضم كل ما يكتب من منظور، قصة, رواية, فلسفة، مقالات, حتى النظريات العلمية ما دامت تحمل بصمة الذات على الموضوع. كون السرد الأدبي أكثرها عرضة للتشظي. هو يتشظى عنوة ليعبث بالزمان والمكان، أما أنت فستسلم له روحك راضياً لتتماهى مع شخوصه، تتحرك معهم في عالمهم، وتتشظى كينونتك، فتعيد صياغتها، وتتسع حدود عالمك. كل منا يصنع حدود عالمه بقدر ما يقرأ.
وشددت الزهراني على أن الشخصية، التي يصنعها المؤلف هي أكثر ما يشدها خلال القراءة أكثر من الزمان الذي عاشته أو المكان أو صناعة الحدث لأنها هي المحرك لكل هذه المكونات، الشخص هو الفاعل، وهو من يختار الزمان والمكان للفعل، وهو من يبني الموضوع، ثم يحفظ للموضوع استقلاله، أو يخضعه لمنظوره. الشخصية هي محور العالم عندي، كيف ترى العالم، وكيف تتحرك وفق تلك الرؤية، وكيف تبني علاقاتها مع الناس والأشياء والموضوعات لتصنع العالم.
(جاك القدري) ألزمني الفراش وسيفعل ذلك معكم
وأشارت لرواية الفيلسوف الألماني ديدرو «جاك القدري»، أحد فلاسفة القرن الثامن عشر - حسب ما أتذكر- بما صنع في هذه الرواية من خلاصة التأملات المتمثّلة بعلاقة الإنسان بالقدر, استطاع أن يلزمني الفراش في هذه الرواية التي قرأتها تحت وطأة إحباط شديد، ويأس من تحسّن الأحوال، وخصام تام مع الحياة، إذ كنت أبتلع كلماته بصعوبة، وسط الحقيقة الثقيلة على من يهرب من ذاته للخيال. هذا الكتاب عرّفني بفلسفة للحياة، وفتح لي باباً لدروب أخرى تنفتح على عوالم غير عالمي الذي حبست نفسي فيه. كما منحني روح التحدي وتقبل الحياة بكل وجوهها. لذا سأوصي (قراء الثقافية) باقتناء «جاك القدري», لقد غيَّر حياتي وجعلني أولد من جديد، أعدكم أنه سيفعل ذلك معكم.