محمد جبر الحربي
في كلِّ قَلْبِ مدِينةٍ لي مَوْطِنٌ
سبحانَ مَنْ خَلَقَ البلادَ كذاتِي
إنِّي أطَالِعُ حُسْنَهْا في هَيْبَتِي
وهيَ التي إنْ تُهْتُ لي مِرْآتِي
منها إشاراتُ الحضَارةِ كلُّها
وبها عرفتُ ملامحي وسِماتِي
إنْ عدتُ للتاريخِ جادَ تراثها
بالشعرِ عذباً مِنْ نميرِ فراتِ
فيها النبوءاتُ التي ختَمَتْ بها
أرضُ الرسالةِ ما مضى والآتِي
ما أحمدُ العربيُّ إلا عطرُها
خيرُ البرِيَّةِ.. جامعُ الأشتاتِ
فانْظُرْ لسانَ الضَّادِ أوَّلَ فُصِّلَتْ
وانظرْ لجَمْعِ الشَّمْلِ في الحُجُرَاتِ*
واصْعَدْ إلى أعلى مراتبِ حسنِها
في الجنِّ، والرحمنِ، بالعَبَراتِ
واسْمَعْ لتَرْنِيمِ الحروفِ ووحيها
ما الخلْقُ إلا مِنْ صدى الكلماتِ
مَنْ علَّمَ الطفلَ الضَّريرَ بيانَها
فاستظهَرَ القرآنَ بالمَلَكَاتِ
أرنو إليها خَاشِعاً.. مُتَبتِّلاً
مِنها الخِصالُ وما يَزِينُ صِفاتِي
أمشي وئيداً والفؤادُ مُحَصَّنٌ
بالذِّكْرِ، والتَّسْبيحِ، والصَّلَوَاتِ
ما جاسَنِي خَوْفٌ فقلبي آمِنٌ
في حُضْنِ مملكةٍ تضيءُ حياتِي
ما كنتُ وحدِيْ بلْ تقاسمَ حُبَّها
شَعْبٌ عظيمٌ.. مُؤمِنٌ بثَبَاتِ
إنْ كانتِ السَّرَّاءُ جادَ بفيضِهِ
أوْ كانتِ الضّرَّاءُ كانَ كذاتِ
أطلقتُ طيْريْ للفضاءِ فعُدْنَ ليْ
مُسْتبْشِراتٍ جُدْنَ بالأصواتِ
الصَّوْتُ أنغامٌ تُهيِّجُ مهجَتِي
والنخلُ يدعوهُنَّ للإنصاتِ
للشاعرِ الحُرِّ المُحِبِّ لأهلِهِ
ولكلِّ ذرّةِ رَمْلَةٍ.. بفَلاةِ
يشدو فتتبعهُ الجيادُ بجرْسِها
مَنْ يجمَعُ الحرَكَاتِ بالسَّكَنَاتِ..؟!
الحبُّ يدفعُه لأعلى غيمَةٍ
لا كرْهَ يدنو مِنْ ندى الأبياتِ
إنْ كانَ في طَعْنِ البلادِ حياتُهُمْ
فالموْتُ في أرضِ الجَلالِ حياتِي
كلُّ المُرَادِ معَ الودادِ نجاتُها
إنْ أشرَقَتْ كانَ الضياءُ نجَاتِي
الشِّعْرُ خلَّدها، وخلَّدَنِي بها
حَيَّاً بماءِ الحَرْفِ بعدَ مَمَاتِي
واليومَ عِشقي قدْ تنامَى في دَمِي
سبحانَ منْ سَوَّى البلادَ كذاتِي
... ... ...
* فُصِّلَتْ: الآية 3، الحُجُرات 6-18.