«بيبرس أول السلاطين الشراكسة في مصر» إصدار روائي جديد للمخرج السينمائي والروائي الأردني والعالمي د. محيي الدين قندور صاحب فيلم «الشراكسة»، وصدرت حديثًا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وتقع في 376 صفحة من القطع المتوسط. وقد صدرت في يناير 2016. وتسلط الرواية الضوء على جوانب مهمة من حياة الظاهر بيبرس؛ إذ تتعمق في تفاصيل الحياة الشخصية للظاهر بيبرس، والبيئة التي وُلد فيها، وتسميته، وعمل والده الحداد، في إشارة إلى أن مساعدة بيبرس والده في أعمال الحدادة كان لها الأثر الأكبر في براعته التي ظهرت لاحقًا في المنازلات.
لقد قدم إلينا محيي الدين قندور الظاهر بيبرس في قالب درامي جديد؛ إذ إنه قد اخترق القلوب بقصة فتى تم أسره، ومن ثم بيعه في سوق العبيد. إنها رواية تعج بالصور الأليمة والمفارقات الغريبة في حياة الصبي ذي الاثنتي عشرة سنة. ويكون السرد على لسان الراوي محيي الدين بن عبد الظاهر الذي يروي لنا كيف أن الظاهر بيبرس قد أفرغ كل مكنونات قلبه لكاتبه، وبعض الكلام كان يبوح به للمرة الأولى.
ومن الملاحظ أن القارئ أحيانًا يفقد البوصلة وهو يقرأ تفاصيل الرواية؛ إذ إنه يقف أحيانًا حائرًا أمام بعض التفاصيل التاريخية التي لم يستطع الكاتب أن يظهرها بصورة واضحة؛ فالعلاقة بين المحمديين والمعبديين لم تظهر بصورة واضحة. كما أن الكاتب لم يوضح لنا العلاقة المعقدة بين جميع الأطراف المتقاتلة، وهل كان القتال لأسباب دينية أم إنه كان لأسباب سياسية؟ ومن ثم فان قارئ الرواية الجاهل بالتاريخ سيجد نفسه أمام تفاصيل معقدة، وأنه سيضطر إلى اللجوء إلى مراجع أخرى؛ ليفسر بعض التفاصيل الغامضة في ثنايا الرواية. كما أن ديانة بيبرس السابقة قبل أسره لم تتجلَّ لنا مليًّا؛ إذ إننا نجد أن المؤلف يشير في بعض المواقع إلى ديانة بيبرس الشركسية القديمة والخابزة، وكيف أنه مال حين أصبح في صفوف المقاتلين الشراكسة إلى الاهتمام بالإسلام وسيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وتحملنا الرواية بتفاصيلها الصغيرة والمؤلمة عبر صفحات وصفحات من حياة البطل الظاهر بيبرس، ونسافر معه على ظهر السفينة التي حملته بوصفه واحدًا من العبيد؛ ليتم بيعه فيما بعد إلى أحد الأشخاص «إيديكين» الذي أولاه عناية خاصة؛ لما لمس فيه من بوادر الشجاعة والذكاء والفطنة.. وما هي إلا فترة وجيزة حتى أثبت الظاهر بيبرس نفسه في ساحات التدريب.
التفاصيل المؤلمة التي مرت بنا خلال صفحات هذه الرواية كانت قد ابتدأت حين اختطف الروس بيبرس ودانة صديقة طفولته التي ذكر الراوي أن بيبرس بالرغم من الكثير من المحاولات لم يجد لها أثرًا بعد ذلك، وكيف أشار الراوي إلى أنها كانت المرة الأخيرة التي يرى فيها بيبرس دانة، وأنه ما فتئ يبحث عنها غير أنه لم يعثر عليها، وبقيت دانة صرخة مدوية في قلب بيبرس.
في ثنايا الرواية نجد أن أسلوب المؤلف في السرد أسلوب شيق وممتع؛ فلا نجد القارئ يمل من قراءة الصفحات الواحدة تلو الأخرى؛ علّه يصل إلى إجابات كثير من الأسئلة التي تعبر بخاطره كلما ذُكر بيبرس عاتلة وأخواته ودانة. ولا يفتأ القارئ يجوب في صفحات الرواية؛ علّه يجد إجابات مقنعة لكثير من الأسئلة.
ولعل أكثر ما يميّز هذه الرواية تقنياتها السردية؛ إذ استخدم الراوي أساليب سردية متنوعة، حقق فيها توازن البناء الروائي؛ ولذلك وجدناه يوظِّف الضمائر جميعها، الغائب والمتكلم والمخاطب «وصل بيبرس إليّ، ونظرتُ في عينيه»، وقوله: «ضحك الجميع وهتفوا».. وكلها تؤكد حيوية السرد؛ لأن كل راوٍ كان يأتي في الرواية بتفاصيل جديدة، فضلاً عن تقنيات التذكر والاسترجاع والحلم والوعي الباطن التي كانت تتداخل في السرد مع التداعي، وتمتزج أحيانًا بالتذكر، كما وُظِّف.
** **
أ.د. محمد أحمد القضاة - أستاذ الأدب والنقد في الجامعة الأردنية