تابعنا بشغف شديد أحد أعمال الكاتب السعودي الرائع الأستاذ علاء حمزة مسلسل عندما يكتمل القمر الذي عرض على شاشة ام بي سي لاول مرة الذي كان من إخراج الاستاذ عمر الديني، المسلسل الذي اختصر المسافات بين العالمين العالم المخفي المسمى بالجن، الذي كانت حبكته شديدة الغرابة فبين اشياء نسمعها ونحن صغار إلى مسلسل يحكي هذه التفاصيل ليس بالشيء السهل ذلك المزج بينهما.. فيصل العميري بطل المسلسل (جمعان) الذي اتقن رقصة السامري بايقاع مختلف واتقن دور المسلط عليه بكل براعه وتميز وحضور متألق مكتمل الاركان، ولفت انتباهنا الكاتب للاشياء التي تقرب العالم الآخر إلينا هي قد تكون اشياء مبهجة في نفس الوقت لنا، ولكن حرص الكاتب على اغلاق الشخصية عن الذكر والصلاة كانت سبباً في تسلط الجان عليه فوجد نفسه فجأة امام فتاة تعشقه تدعى (فلوة) الذي جسدته الممثلة المتالقة ريم عبدالله الذي اعتبر هذا العمل كما اراه شخصيا بمثابة رصيد نجاح لها لاسيما أنها علقت في ذهن المشاهد لهذا العمل بعد تجسيدها لهذا الدور الذي اعتقد بأنها اتقنته بشدة لذلك لن ينسى ذلك الدور من سجل الفنانة ريم عبدالله.
كيف تمت الحيرة التي قام بها الكاتب بين علاج النفس وبين دخول العالم الاخر حياة الإنسان، وكيف للقران الكريم أن قام بحل هذه المعضلة التي ما زالت تحير اطباء وبرفسورات علم النفس، لقد اوجز لنا الكاتب أن الابتعاد عن ذكر الله هو أحد الاسباب الرئيسيسة التي تجعل العالم الاخر يتسلط علينا، وأننا نحن نسمح له بذلك بابتعادنا عن ذكر الله.
كشفت ايضا جوانب اخرى، اتذكر قصص جدتي التي كانت تقول إن هناك من كان غنياً بسبب الجن وبانه هناك من ساعد الإنسان ليصبح غنيا، ونكتشف في الاول والاخير أنها مجرد اسباب سخرها الله لكي يحصل الإنسان على رزقه. ولاشك أن هناك عالم يعيش معنا من تحت الارض يستطيعون أن يمروا من اي مكان وأن لهم قدرات خارقة ويستطيعون أن يخيلوا للإنسان اي شيء يريدونه بناء على مدى قوة ايمانه بالله، فشاهدنا ابن جمعان الاخ /احمد الرشيد الذي كان في اسم (فراج) كيف استطاعت خداعة شيطانه بأن يقتل والده وكيف اوهمته بأنها مريضة وبأنها تعيش في قصر وهي في سكنها الاصلي الخرابة.
حكى المسلسل ايضا قضية الجهل وعدم العلم الذي جعل جمعان يبيع قطعة اثرية بمبلغ زهيد عندما استطاع المدعو غيث بأن يبيعه وكيف خدعهم بهذا المبلغ الزهيد. اشار المسلسل ايضا الفرق بين ما يريده الإنسان وما يريده العالم الخفي بمعنى أنه حتى عندما عاد فلوه لجمعان تقنعه بأن يعود عن الكنز الذي دلته عليه وبانه مرصود، اصر جمعان على المواصلة، وكذلك الرغبة في خروجها منه بعد أن ضاق ذرعا.. ورغبه منه في عودة حفيده الذي اخذه والد فلوه في اجبارها للعودة الى عالمهم والخروج من عالم الانس، هذا يدل على أن الإنسان بعناده واصراره اكثر الاحيان لا علاقة للعالم الاخر به مطلقاً.
والصور التي يريد للإنسان أن يخيل اليه كانت حاضرة، فالدكتورة امل كانت هي فلوه وكانت ايضا دانه ، تلك الحجة التي جعلت جمعان يصر على زواجه منها حتى بعد علمه بأنها هي نفسها فلوه، واجمل ما رايت من مشاهد هي مشاهد الشيخ وهو يقرأ القرآن على جمعان وكيف تم الربط بين والد ساير الذي اصبح بين ليله وضحاها هو والد فلوه الذي تلبس به (الابيض). علاء حمزة جعلنا نعيش مفاجآت لم نراها من قبل بأسلوب يميل إلى الرعب ولكن بموضوعية رائعة وبمعلومات قيمة اسهمت في اضافة رائعة لكل المشاهدين، لقد رأينا التلقائية بالطرح والغموض في الاسلوب وكيف كانت النهاية مفتوحة ربما لأن الشر وإن تعددت صوره هو واحد، وانني اعتقد أن الكاتب وجد نفسه امام جزء ثاني وربما اجزاء وجعلنا في حيرة عندما شاهدنا دموع جمعان لخسارة فلوه، وكيف ذهب ابنه فراج إلى المحطة ليبحث عن الكنز المرصود وهذا إن دل إنما يدل على الطمع الذي يعيشه ولده حتى بعد أن تزوج صديقة طليقته التي اخذت اكثر من مائة مليون ريال، وأن القناعة الذي سكنت عبدالرحمن الذي رباه جمعان جعلته يبيع المحطة لكي يتجنب الشر وعوالمه، وأن عدم اقتناع المجتمع جعل خالد يتخفي ايضا فلا احد يعود بعد الموت ، ولكن خالد لم يمت لكي يعود، بل أنه مات في نظر المجتمع بعد تم التخيل لهم بأنهم دفنوه، عاد والشيب قد غزى شعره ليصبح ابيضا.. فالإيمان والقناعة هي سر البقاء بعيداً عن الشرور، والاستمرار على ذكر الله هو علاج الروح، وأن كل العلوم التي اتت فما هي إلا جزء كبير من القرآن الكريم الذي يحرق الشيطان ويصرفه عن الإنسان.
باعتقادي الشخصي أن هذا المسلسل إضافة للدراما السعودية خاصة والعربية عامة لما فيه من أسرار وغموض لا يعرفها سوى من عاش بعض تفاصيلها في أرض الواقع.. السامري.. وفرقته.. كانت رمزية جدا جميلة وربطها بالتقرب للعالم الآخر، أسهمت في جعل هذا العمل جدا رائع والاروع كانت كلمات اغنية الم قدمة التي كتبها أيضا الكاتب علاء حمزة.. ننتظر من الكاتب المزيد من الإبداع والتميز ومبارك لكم نجاح هذا العمل.
أخيراَ..
كم شخص قابلناه وقد كان ربما الابيض، وكم امرأة رأيناها في الاعراس وهي لم تكن سوى فلوه، وكم شخص مر بجانبنا وهو لم يكن سوى سائق فلوه، وكم شخص ساعدنا ربما لم يكن ذلك الشخص لقد كان من العالم الآخر ربما، وهناك ربما من يشاهدني الآن وأنا اكتب.. والعياذ بالله.
** **
- د. سماح ملهي