د. عبدالحق عزوزي
نعلم جميعاً أن الإرهابيين يستفيدون اليوم من واقع العولمة التي تجعل الجميع يعيش في قرية واحدة وتحت سقف واحد، حيث إن منصات وسائل الإعلام الاجتماعية مثل «يوتيوب» و»فيسبوك» و»تويتر» تقوم بالدعاية لإيديولوجيتهم.. ومما يزيد الطين بلة أن الإرهاب المجالي الذي نراه في بعض المناطق هو نتيجة لإرهاب لا مادي أو لا مجالي مبني على الإقناع الإيديولوجي وعلى الشعارات السياسية الخاطئة وعلى الصيغ الهلامية التي لا تناقش بالعقل بل تتوالى وتنتشر بنهج الإعلان ولا تعترف بالحدود، وهو ما يفسر العمليات الإرهابية الفردية في العديد من الدول الغربية. ولتجفيف ينابيع الإرهاب، هناك عدة وسائل يمكن أن تتبناها الدول وكل ذوي النوايا الحسنة:
- فنظرًا لما يشكّله الدين من أهميّة تراثية وفكريّة ووجدانيّة في حياة الإنسان، فإنَّ تجديد خطابه وتأهيل الدّعاة يغدو ضرورة، لإبراز وسطيّته واعتداله وإشراك فاعلين جدد قد يعتبرون (أئمة الإنترنت) يعملون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لدعم عمل الأئمة في المساجد ومن يحظون بالشرعية الدينية والمصداقية.
- كما يجب القيام بحملة للتوعية والتأطير الذكي في الوسط السجني الذي يشكل حقلاً خصبًا لانتشار الإيديولوجيات المتطرفة، بهدف إقناع الملوثة عقولهم بالتخلي عن المفاهيم المغلوطة من الضروريات... لذا وجب وضع برنامج زمني لاستراتيجيات مواجهة الفكر المتزمت، وتقييم مخرجاتها ومخرجات الخطط التنموية بشكل دوري... ثم إن مسألة السجون قد تتحول في بعض المجتمعات بما فيها الأوروبية منها إلى جامعات إرهابية فعلية، حيث يلعب الراديكاليون المخضرمون دور الأساتذة، بينما يكون باقي السجناء هم الطلاب. أما سلطات السجن فتلعب دور الحارس الغائب. ولا جرم أن هذا السيناريو يحير السلطات العمومية في البلدان أكثر من أي وقت مضى.
- كما يجب تجديد آليات الخطاب الإعلامي ووظائفه، وتأهيل الكفاءات الإعلامية تأهيلاً يتوافق مَعَ الثورة الإعلامية الجديدة القائمة على استثمار الفضاء التكنولوجي ووسائط التواصل، ليضطلع بدوره التنويري الجديد لمواجهة الخطاب الظلامي المتزمت؛ ويجب تفعيل القوانين والتشريعات التي تجرِّم الكراهية والعنصرية، وتبثّ الفُرقة والنزاع بين الفئات المجتمعية ذات الصبغة التعدُّدية قوميًا واثنيًا وطائفيًا...
وفي هذا الصدد، ولأول مرة، تتفق الحكومات والمنظمات الدولية والشركات والمؤسسات الرقمية على سلسلة من الإجراءات والتعاون الطويل المدى لجعل الإنترنت أكثر أماناً؛ ففي لقاء أخير عقد في باريس أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن مع قادة آخرين ومسؤولي شركات تكنولوجيا، مبادرة «كرايستشيرش» لمكافحة التطرف على الإنترنت؛ وهي المبادرة التي سبق وأن دعت إليها أرديرن بعد المجزرة التي وقعت في آذار/ مارس 2019 حين قام رجل من المنادين بتفوق العرق الأبيض بإطلاق النار في مسجدين، مما أدى إلى مقتل 51 شخصاً. وبث المعتدي الهجوم مباشرة على فيسبوك من كاميرا مثبتة على رأسه. وبموجب هذا الإعلان تتعهد كبرى شركات التكنولوجيا الرقمية تبني حزمة من الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى وضع حد لنشر المحتوى المتطرف العنيف على الإنترنت، وسط تزايد الضغوط من الحكومات بعد المجزرة التي وقعت في مسجدين في مدينة كرايستشيرش النيوزلندية.
وفي وقت سابق أعلنت مجموعة فيسبوك تشديد القيود على استخدام خدمتها للبث المباشر، بهدف منع التشارك الواسع لتسجيلات عنيفة مثلما حصل خلال مجزرة مسجدي كرايستشيرش. وكان فيسبوك قد واجه انتقادات شديدة لتأخره في حذف شريط الفيديو الذي انتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي. وشارك فيسبوك في صياغة الالتزامات الجديدة. كما شاركت شركة جوجل ووحدة يوتيوب التابعة لها في التعهد، إضافة إلى تويتر وويكيبيديا وديلي موشن ومايكروسوفت.
ونتذكر جميعا التنديدات الدولية عندما تأخرت فيسبوك في حذف اعتداء نيوزيلندا وهو أمر لا يستقيم عرفا ولا إنسانيا ولو كانت هناك تشريعات دولية صارمة لكانت هاته الشركات العملاقة قد أخذت كل احتياطاتها لمنع مثل ذلكم البث. لهذا نفهم جليا تخوف هاته الشركات التي بدأت تؤكد أنها ستتعاون لإيجاد أدوات جديدة لتحديد المحتوى المتطرف بسرعة مثل تبادل قواعد البيانات للمنشورات أو الصور العنيفة لضمان عدم انتشارها في العديد من المنصات. كما أكدت أنها ستدرس طرق تعديل اللوغريتمات (برامج معلوماتية) لمنع انتشار المحتوى العنيف أو الذي يحرض على الكراهية بسرعة على الإنترنت وتسهيل عملية إبلاغ المستخدمين عن المنشورات الضارة.