أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
ذكر الإمام (أبو جعفر محمد بن جرير الطبري) [224 - 310] رحمه الله تعالى قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [سورة الرعد/ 38]؛ وهي الآية قبل قول اللّه سبحانه وتعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [سورة الرعد/ 39] مباشرةً؛ فذكر في تأويلها معنيين: أولهما أنّ المراد آيات الله الحسّيّة كإحياء الموتى، ثم قصر الإذن على القضاء الكونيّ كأن يأمر الميت بأن يحيى؛ ولكلّ أجل أمر قضاه الله سبحانه وتعالى في كتاب قد كتبه؛ فهو عنده. وثانيهما أنّ المراد: أنّ لكلّ كتاب ينزل من السماء أجلاً؛ فيمحو الله من ذلك ما يشاء، ويثبت ما يشاء، وعنده أمّ الكتاب. وقد أسند هذا التأويل إلى الضحاك؛ فقال ((حدثني المثّنى [هو ابن إبراهيم الآملي].. قال: حدثنا إسحاق بن يوسف: عن جويبر: عن الضحاك..)). انظر (تفسير الطبري) 16/ 475- 476.
قال أبو عبدالرحمن: ونُسب إلى الضحاك قولان آخران إضافةً إلى هذا القول؛ هما: أنّ المعنى لكلّ كتاب أجل.. هكذا جعله جامع مرويات الضحاك الدكتور (محمد شكري أحمد الزاويتي) قولاً ثانياً للضحاك، وإنّما هو القول الأول نفسه؛ ولهذا قدّم ابن جرير لسياق مذهب الضحاك بقوله: ((قيل: معناه لكل كتاب أنزله الله من السماء أجل))، ثم ساق كلام الضحاك الذي تضمن هذا القول تنصيصاً، ثم وجّه هذا القول بقوله: وهذا نظير قول الله [سبحانه] وتعالى: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} [سورة ق/ 19]؛ وكان أبو بكر - رحمه الله [تعالى] - يقرؤه: {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْحَقِّ بالْمَوْتِ}؛ وذلك أنّ سكرة الموت تأتي بالحقّ، والحقّ يأتي بها؛ فكذلك الأجل له كتاب، وللكتاب أجل. والثاني أقوال تتعلّق بالمحو والإثبات من غير أن تربط ذلك بالأجل والكتاب؛ ويأتي الكلام عنها إن شاء الله في مكانها. وذكر أبو الحجاج مجاهد بن جبر [- 104هجرياً] - رحمه الله تعالى - وجهاً يقرب من الرأي الثاني الذي ذكره ابن جرير.. إلا أنّه ضمّن ذلك سبب النزول؛ فقال: قالت قريش حين أنزل: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ}: ما نراك يا محمد تملّك من شيء، ولقد فرّغ من الأمر؛ فنزل قوله سبحانه وتعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} تخويفاً ووعيداً.. أي إن شئنا أحدثنا له من أمرنا شيئاً.
وأمّا الولاية فقد قال الخليل بن أحمد [ 100- 175 هجرياً] - رحمه الله تعالى -: الولاية مصدر الوالي، والولاء مصدر المولى؛ والموالي بنو العمّ، والموالي من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من تحرم عليه الصدقة، والمولى المعتق والحليف والولي؛ والوليّ وليّ النّعم، والموالاة اتّخاذ المولى، والموالاة أيضاً أن يوالي بين رميتين أو فعلين في الأشياء كلها؛ وتقول: أصبته بثلاثة أسهم (ولاء)، وتقول: (على الولاء).. أي الشيء بعد الشيء؛ والولي المطر الذي يكون بعد الوسمي.. يقال: وليت الأرض ولياً؛ فهي موليّة.. وقد والاها المطر والغيث؛ والولية الحلس، والولايا جمعه.. قال:
كالبلايا رؤوسها في الولايا
مانحات السّوم حرّ الخدود
وولّى الرجل أي أدبر، واستولى فلان على شيء إذا صار في يده، واستولى الفرس على الغاية أي بلغها. وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى. والله المستعان.