رمضان جريدي العنزي
إيران مسكونة بالعتمة، تعشق الظلمة، ولا تحب وضح النهار، لا النور تهواه، ولا بزوغ الغسق، وعندها شك وحيرة وقلق، لها كبر وصراخ وثرثرة، تهوى الجنون، والعقل تمقته، لا تحب الاستكانة والسلام والهدوء، وعندها خطيئة، واعوجاج سليقة، تحب كسر نواميس الكون والجوار والعلاقة، تزرع في حقولها الشوك، ولا تحبذ الورد، تكتب قصائد الدم، وتهتز كأنها جان، لوحاتها مرسومة من خراب ودمار، ووقتها دائمًا شتاء، وطقسها جليد، ولا لامست يديها الزهر، ما تجملت يومًا، أو ازدانت، ولا شم أنفها العطر، لها متاهة موغلة في السواد، فكرها عدم، وبركها آسنة، وهواؤها غير صحي، وليس نظيفًا، امتلأت بالعفن حتى عجزت أنابيبها عن تصريف العفن، في وجهها شحوب، ويعلوه ندوب وبقع، ريحها سخام، وعمرها مهدد بالنضوب، ولا فادها العنترية والتمدد والزعيق، هي الآن في مهب العاصفة، والعاصفة عتية، وليلها بارد وطويل، تنظر من خلف الستار، لحركة حولها تدور، تحمل سر الحكاية الآتية، وحدها تتأمل وجهها المعفر بالتراب والسخام، وحيدة، يهادنها التعب، كل شيء حولها مجدب وضيق، ويقتلها الرعب الشديد والقلق، موحش هو التحرك الذي حولها، مثل غول كبير، أو كثبان جليد، افتقرت العقل حتى عاشت المأزق، وابتعدت عن الحكمة حتى لازمها الإحباط، عجزت عن الحوار المنطقي حتى امتزج فيها الكره والتعالي والنفور، وهي الآن تنشطر بشكل جذري نحو الهاوية، أفاضت كثيرًا في اللذة حتى ظنت بأن اللذة دائمة، الغواية عندها تكاد لا تهدأ أو تتوقف حتى صارت حياتها ضربًا من الصراع الطويل، العدوانية عنها سياسة، ودافع للانتقام، فكرها قلق يثير الدهشة، وانفعالاتها غير منضبطة، وميراثها طقوس غريبة وبهلوانيات لا يصدقها العقل والمنطق، لها نرجسية دافعة إلى دمج كل ما تراه في مرآة أشيائها، تحاول الاحتواء، لكن البصيرة عندها قصيرة آنية وضيقة، تتنفس بنصف فتحة أنف، وترى بربع عين، رئتها ملح، وحطبها سراب، والعشب عندها غير رطب، ومخيلتها غير بيضاء ولا زاهية، في رأسها جدل، وتتصرف بهوج؛ كونها تخاف أن تتمزق، وتتبعثر كأوراق الخريف، ثم تسقط في مهاوي الاحتراق، هي الآن تعيش الهاجس والصخب، وتمزقها المرارة، وانفعالاتها عالية، تئن بقوة، والحزن عندها يلد أحزانًا، ستسقيها الريح العاتية الآتية طعم السراب، وستجدب، وستبحث عن طريق آخر للمتاهة، ستقطع الأذرع عنها، وستكون بلا أذرعة، ستعيش وحدها حزنها والمناحة، وستصبح أرضها ساحة للضيع، وأرضًا للمقبرة، سيجف نهرها، ويصفر حقلها، وورقة التوت ستنزاح عن عورتها الخائبة. ستختفي من تضاريس الذاكرة، حتمًا ستختفي من تضاريس الذاكرة، وستصبح ذكرى بليدة، وستعود السنونوات المهاجرة لماء الخليج باهجة، ستبتسم الحياة لغزل الموج الشفيف، وسيغني البحارة اليامال على مراكبهم الآمنة، بعد أن أفسد صفاءه الوحل. إيران الآن تحتضر مثل ثعبان مريض في القفر يحتضر، وحتمًا ستموت كما تموت العنكبوت في عين العاصفة.