محمد آل الشيخ
بقاء دولة الملالي في إيران مستحيل طال الزمان أو قصر، مادام أنها توظف كل مواردها لتحقيق وصية مؤسسها الخميني ومؤداها إنشاء إمبراطورية فارسية صفوية المذهب، تُعيد إمبراطورية الفرس الغابرة، والتي قضى عليها الإسلام.
ولست في حاجة للقول إن عصر الإمبراطوريات انتهى، فهذا واقع لا ينكره إلا حالم أو مكابر، وحل محله كما هو ثابت الدولة الوطنية، ذات السيادة التي تحميها المواثيق والأنظمة الدولية. وهي اليوم، وكما أثبتت التجارب، أنها وهمٌ عَصيٌ يُشبه - وإن باختلاف في التفاصيل - وهم دولة الخلافة عند أهل السنة. وأنا أعتقد جازمًا أن الرئيس الأمريكي الآفل باراك أوباما، كان لسبب ما زال غامضاً، قد أنقذها من السقوط حين كانت على شفا الانهيار، عندما وقع معها اتفاقية كارثية، ورفع عنها الحصار، ومنحها ما يقارب المائة مليار دولار، كانت أمريكا تحتجزها في بنوكها، وكانت تلك الاتفاقية بمثابة طوق النجاة الذي أنقذها آنذاك من الانهيار اقتصادياً.
وسواء سقط نظام الملالي قريباً أو بعد حين، فإنه بسياساته وإيديولوجيته الحالية، مآله حتمًا إلى الانهيار؛ لأن منظريه وقيادييه يستمدون قناعاتهم من القرون المظلمة ومدونات تراثهم، ومثل هذا الفكر لا يمكن أن يواكب العالم المعاصر ولا يستقيم مع شروط البقاء فيه؛ كما أن المؤشرات التي تأتينا من إيران تؤكد أن التذمر يتراكم، والغضب يزداد يومًا بعد يوم، ولا بد في نهاية المطاف من أن يصل إلى درجة من الغليان، لا يمكن فيها للنظام الحاكم أن يتحكم فيه، مهما قمع وقسا وتجبر.
ومن نافلة القول إن الدول المعاصرة تقوم (شرعيتها) على الاقتصاد، فكلما كانت اقتصادياتها قوية ومتينة وتنمو وتتطور، تجذرت شرعيتها، وأصبحت قدرتها على البقاء راسخة وقوية، والعكس صحيح. والدليل على ما أقول تجربة الاتحاد السوفييتي، التي اعتمدت على الاشتراكية كشرعية لبقائها، وأهمل السوفييت الاقتصاد، فانتهى بها الأمر إلى التفكك والانهيار. وهذا ما سينطبق على إيران حتمًا؛ فقد تستطيع أن تُسخر المال لنشر الأيديولوجيا، وتتجاهل النمو الاقتصادي، وتفرض ذلك بالحديد والنار والقمع الذي لا يتورع في سحق المعارضين، غير أن النتيجة في النهاية ستكون الفشل؛ أضف إلى ذلك أن إيران من حيث التركيبة السكانية ذات قوميات واثنيات ومذاهب شتى، ما يجعلها قابلة أكثر من غيرها للتفكك كما تفككت يوغسلافيا مثلاً.
وكنت قد قابلت مواطنًا إيرانيًا، يتمتع بقدر من الوعي والثقافة، وسألته عن سر (خنوع) الإيرانيين لهذه السياسة الانتحارية الحمقاء، وصبرهم على تبذير ثرواتهم على مغامرات طائشة غير ذات مردود، ولا يمكن إلا أن تصل بهم إلى طريق مسدود، في حين أنهم يهملون إهمالاً شبه كامل العناية بالبنية التعليمية والخدماتية والاجتماعية، والأهم الاقتصادية، حتى تجاوز الشعب الإيراني خط الفقر بما يقارب الخمسين في المائة؟ قال: الغضب في إيران يتصاعد والمشاكل تتفاقم، والفقر يتراكم، ومعدلات البطالة تزيد مع كل عام جديد، غير أن مشكلتنا في إيران عدم وجود (قيادة ثورية) يتفق عليها أغلب الإيرانيين، نظرًا لأن إيران دولة متعددة القوميات والأديان والمذاهب. وأضاف: الخميني نجح لأنه رفع راية الدين، والمذهب الشيعي يتفق عليه أكثر من 90 في المائة من الشعب الإيراني، أما الآن وبعد أن (جربوا) الخطاب الديني المسيس فإن الرأي العام السائد والكاسح، والأكثرية الصامتة، تتجه إلى (العلمانية)، خصوصًا المتعلمين، ومن يسكنون في المدن والحواضر، إلا أن التشرذم القومي والعقدي، يجعل ما يمكن تسميته (بفقدان الثقة) بينهم هو العقبة الكأداء، التي تقف في طريق وجود زعامة يتفق عليها جميع الإيرانيين.
ورغم وجاهة ما قاله هذا المثقف الإيراني، إلا أن اتجاه إيران إلى أن تكون (دولة فاشلة)، احتمالية تقوى مع مرور الزمن، وعندها، وكما رأينا في تجارب كثيرة، تُصبح الفوضى هي التي تحكم، شاء الملالي أو أبوا.
إلى اللقاء