د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في رمضان لا يمكنك إلا أن تكون رمضانيًّا، بقلبك وبمشاعرك، وبجوارحك؛ فهو جاذب لكل مسلم ليكون كذلك؛ فالمسلمون جميعًا رمضانيون إلا النادر من المسلمين غير الرمضانيين، وحتى هؤلاء لا يمكنهم الإفلات من الإحساس الباطن بأن رمضان شهر ذو مذاق خاص، يوحي بالكثير من المعاني النبيلة.
مَن ألزمته ظروفه، أو شاء بإرادته أن يقضي رمضان خارج وطنه، أيًّا كان ذلك الوطن، فإن هذا الشعور الرمضاني سيصاحبه، ويرفل بما يلبسه إياه الشهر الكريم من مشاعر وروحانية، وما يجره إليه من بذل المزيد من التوجه إلى الله. لا توجد بقعة في هذا العالم الفسيح إلا وبها مسلمون ومظاهر إسلامية، وتجد الجميع رمضانيين، سواء مواطنو تلك الديار أو الوافدون إليها.
في الصين مثلاً - وهي الأكثر عددًا للسكان في العالم، والقابعة في أقصى الشرق - لا تكاد تجد قرية، أو ناحية نائية، إلا وفيها عدد من المسلمين، ومسجد تُقام فيه الصلاة. وعندما يتوافق وجوده في إحدى القرى هناك في شهر رمضان فإن الرائحة الروحانية الرمضانية تشم في وجوه القوم هناك، حتى غير المسلمين تجدهم يعلمون أن هذا الشهر الكريم يحمل للمسلمين الكثير من المعاني الدينية والإنسانية التي لا تقتصر على المسلمين فحسب، بل تمتد إلى الجيران، والمعارف، والفقراء من غير المسلمين. ولا ريب أن الوافد إلى هذه البلاد أو تلك يلمس هناك الروح الرمضانية الجميلة.
هناك في الصين مساجد قديمة جدًّا، كانت - ولا تزال - على عهدها منذ مئات السنين، وتجد القوم بعمائمهم يأتون إليها للصلاة، وإقامة التراويح بهدوء وخشوع، وتعيش شهرًا رمضانيًّا كما لو كنت في العصر العباسي، وبشعور لا يوصف.
وفي أقصى الغرب في الولايات المتحدة، ومظاهر الحداثة جلية، لا بد للمرء إن صادف وجوده هناك الشهر الكريم أن يعيش الروح الرمضانية العابقة برائحة الإيمان؛ فيكون رمضانيًّا كما لو كان في وطنه.
والولايات المتحدة الأمريكية كثيرة التنوع في الأفكار والآراء؛ ولهذا فقد يسمع أو يرى الإنسان اختلافًا ملحوظًا في بعض التفاصيل الرمضانية، إلا أنه يظل مثل من حوله مع اختلاف آرائهم لابسًا ثوبًا رمضانيًّا براقًا، مفعمًا بالروحانية والعطاء.
إن اختلاف إحياء ليالي رمضان لا يمكنه إلا أن يكون متشابهًا من حيث الغاية، وهي التقرب إلى الله بالعبادة، سواء كان هناك وحدة تامة في المذهب والرأي والتطبيق كما هي الحال في الصين، أو مع وجود اختلاف في بعض التفاصيل البسيطة، والآراء؛ فالمرء يظل رمضانيًّا بمشاعره، يتذوق طعم الشهر الكريم بنكهاته المختلفة في المظهر والمتوحدة في الجوهر.
شيء واحد يصبو إليه الإنسان في الشهر الكريم، أينما حل وكان، هو التمني بأن لا يمر ذلك الشهر والقلوب لا تزول عنها الدرن، ولا تبعد عنها الحزن، وأن يكون للخير في الفؤاد موقعٌ، ولا يكون للحسد والحقد مرتع؛ فصفاء الروح أولاً من صفاء الجسد، وما خُلق الجسد إلا لينفذ شهوات الروح، فإن كانت الروح تجر الجسد إلى فعل الخير، وترك الباطل، فإن الأعضاء تنساق وفق شهواتها ورغباتها.
يا تُرى، هل تلك النفوس الطيبة النقية الفاعلة للخير، والراغبة له، قد ولدت هكذا بسبب جيني؟ أم إنها البيئة التي أدت إلى ذلك؟ أم إن المرء يحمل جينات الخير ونقيضها، وإن البيئة تجعل هذا أو ذلك يبرز، سواء من خلال القول أو العمل؟
إن كان الأمر كذلك فإن هذا الشهر الكريم بيئة خصبة لإحياء روح الخير والعطاء والتسامح، ونبذ كره الغير؛ ليعيش العالم في سلام ووئام.
إن هذا الشهر الكريم تذكير سنوي، وتحفيز لجينات الخير أن تتغلب على نقيضها؛ ليعيش الناس جميعًا في محبة وسلام، ويعيشوا ليعمروا الأرض كما أمرهم الله.